تستوقف القارئ في كتاب {نقض مركزية المركز» الصادر عن سلسلة «عالم المعرفة» تلك الإنجازات الفلسفية المتعددة المصادر، والثقافات التي تهدف في نهاية المطاف إلى نبذ أشكال العنصرية السائدة والمتبلورة في العنصرية البيضاء كواحدة من الرواسب الاستعمارية.

Ad

في الولايات المتحدة الأميركية، ومن كندا إلى المكسيك، استطاعت 17 كاتبة يعتبرن الأكثر إنجازاً في تاريخ الفكر النسوي الحديث، وجئن من خلفيات وتوجهات ومواقع متنوعة ومختلفة، إعطاءنا صورة حية نابضة لجانب من الفكر الفلسفي والواقع الثقافي في الولايات المتحدة الأميركية، متوغلات في واقع اللاتين وأصول ثقافاتهم وعقائدهم.

في فصل {كل شيء في الأسرة: تقاطعات الجنوسية والعرق والقومية}، تحاكي باتريشيا هل كولينز الأسرة من واقع تسعينيات القرن العشرين وما بعدها، وتشرح كيف باتت التقاطعية مقصداً جوهرياً في كيفية الاعتماد المتبادل بينها في بنيانها، وكيف يكون مثال الأسرة التقليدية نموذجاً ممتازاً للتقاطعية في الولايات المتحدة.

وكتبت دروسيلا ك. باركر في فصل الثنائيات والخطاب والتنمية: {الموقف بعد الاستعماري هو الموقف الوحيد الذي يمكن الذود عنه أخلاقياً وسياسياً}.

ويستعرض المقال لجماع من الأدبيات في النسوية والتنمية وبناء المعرفة، حيث ترفض هذه الأدبيات البنيات {الماهوية} للمرأة، وتتحدى عمومية وكونية المنهج العلمي الغربي وتشكِّل فضاء خطابياً لإعادة بناء الثنائيات المتضمنة في رؤية العالم الحداثية، موعزاً بأن فهمنا لأنساق المعرفة بخلاف الفهم الحداثي لها يمكن أن يعيننا في بناء "ابستمولوجيات” تؤدي إلى سبل لإنتاج المعرفة أقل هيمنة.

جسر الهوية

{سياسات جسر الهوية ترياق ضروري لسموم علاقات الامبريالية الجديدة}، هكذا بدأت آن فيرغسون مقالها المتمحور حول {مقاومة حجاب الامتياز: مد جسور الهويات كسياسة أخلاقية للمذاهب النسوية العولمية}، حيث وجدت أن نموذج التمكين التنموي المهيأ لأجل مساعدة المرأة من الجنوب على أساس بعد استعماري يتطلب سياسات مد جسور الهوية لأجل تزكية الديمقراطية التشاركية وتحدي سلطة المعارف الشمالية. كذلك تحدثت عن أخلاقيات الحداثة وتأثيرها في التنمية، إضافة إلى القيم والاستراتيجيات في نماذج مختلفة للتنمية مطالبة بإستراتيجية أخلاقية سياسية بديلة تقاوم التبسيطات في هوية كمية غير تاريخية، تتعامى عن الاختلافات الموضعية بين المشاركين.

وأبدت المشاركة في الكتاب ليندا لانغ اهتمامها بنظرية إنريك دوسل عن الحداثة، سماها {ما وراء الحداثي}، واعتقدت أن هذا التحليل النقدي لبناء أوروبي للشعوب الأصيلة، يتلاءم بشكل خاص مع اهتمامات النسويين وآخرين والتي تدور حول التأثيرات المحتملة التي تعوق المقاربات بعد الحداثية للفعل السياسي وتطوير النظرية. ويتلخص مقال لانغ في ما كتبته في صدارة فصلها، حيث تقول: {بينما يمكن أن تختلف الثقافات في النمط وفي التعقيد، ثمة مغالطة إنشائية في التسليم بأن الأفراد في الثقافات الأقل تعقيداً هم بشر أقل اكتمالاً أو أقل قدرة على التطور}.

مساجلات الجنوسة

في فصل بعنوان «الجنوسة والتنمية وفلسفات العلم بعد التنويرية»، حاولت ساندرا هاردنغ أن تبين كيف أن مساجلات الجنوسة والبيئة والتنمية المستدامة تمثل حلقة وصل لنقد الفكر التنموي في جوانبه المتمثلة في المركزية الذكورية والنزعة الاقتصادية والتعامي عن الطبيعة لتطعن في ابستمولوجيا «الحلم التنويري» وفلسفته للعلم، ودعت إلى «التسليم بالحضور المكثف للثقافة الإسلامية في العصور الوسطى الأوروبية وبواكير عصرها الحديث، والاستعارات التي تمت في العلوم الحديثة المبكرة من الفكر الصوفي المصري.

ما الذي يجب أن يفعله البيض؟، في هذا الفصل استكشفت ليندا مارتن ألكوف محاولات البيض للتحرك نحو موقف يناصر الفعل والإنجاز ضد العنصرية ليصلوا بذلك إلى ما هو أكثر من النقد الذاتي، وترمي ألكوف سؤالا يشكك في كثير من بنيان نظريات سابقة قائلة: {إذا سلمنا بأن هوية أي جماعة قائمة على استبعاد الآخر وعلى التفوق الضمني، فلماذا الاحتفاظ بالهوية البيضاء أصلاً؟ ألا ينبغي علينا أن نتجاوز التصنيفات العرقية؟ أشك في أن هذا يمكن أن يحدث في أي وقت قريب}.

وتصدت أليسون بيلي لمشكلة كيفية تعيين موضع الذوات {المنكثة}، أو أولئك الذين ينتمون إلى جماعات مهيمنة ومع هذا يقاومون الفرضيات والممارسات المألوفة لتلك الجماعات.

أما آن. كدّ فتقول في فصل بعنوان {التعددية الثقافية كفضيلة معرفية للممارسة العلمية}: إننا في حاجة إلى الإتيان بقيم أخرى لتلقي بثقلها في الحكم على نظرياتنا العلمية، قيم من قبيل الاتساق الداخلي والبساطة والتساوق مع معتقداتنا وقيمنا الأخرى.