هل ولعّت في تركيا أيضاً؟ وهل المظاهرات الصاخبة التي اكتسحت إسطنبول وأنقرة والمظاهرات المؤيدة لها في العديد من العواصم الأوروبية بداية للربيع التركي؟ وهل المطالبات برحيل أردوغان من قبل الجماهير الغاضبة سوف تترجم إلى متبنيات سياسية لدى الحكومات الخليجية وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة؟ وهل تقبل هذه الدول بتأسيس الجيش التركي الحر للمعارضة ومدها بالرجال والسلاح من أجل إسقاط النظام؟

Ad

هذه شواهد وتطبيقات تعكس حالة المهزلة السياسية التي خطفت ثمرة انتفاضة الربيع العربي، وسرقت حلم الشباب وطموحاتهم في الكثير من المجتمعات العربية والإسلامية وتحوّلت إلى جبهة للتناحر وإراقة الدماء والدمار التي أرجعتها عقوداً إلى الوراء، وهي أصلاً في قمة التخلف والانحدار في مختلف نواحي الحياة.

والتعصب الأعمى والأحقاد الطائفية ومشايخ الهوى والتحالفات السياسية هي النتيجة الوحيدة التي يراد للشعوب العربية والمسلمة أن يغرقوا في بحرها، أما شعارات الربيع والإصلاح السياسي فما هي سوى أقنعة لهذه الواجهات المريضة.

وطبعاً وبكل تأكيد وثقة فإن أنصار النظام التركي لهم رأي قاطع وفوري إزاء ما يحدث من احتجاجات ومسيرات، ولو بلغ عدد المشاركين فيها المليون بني آدم، فتركيا غير! وهؤلاء المحتجون ليسوا سوى متمردين ومجموعات متطرفة مدفوعة من قبل أعداء تركيا من العلمانيين وغيرهم.

إذن، نفس التبريرات التي ساقتها الأنظمة المخلوعة ونفس التهم وذات الذرائع بأنهم غير، وأن معارضيهم والخارجين عليهم ليسوا سوى مجموعة من المرتزقة والمأجورين وجواسيس لحكومات أجنبية.

وبالنتيجة، نفس الجرائم سوف ترتكب ولكن بمسميات حلال علينا وحرام عليهم، فعندما تقتل أم أمام أطفالها تقوم القيامة في سورية ولكن عندما تقتل أم طفلتها في إسطنبول فهذا جزاؤها؛ لأنها ليست مجاهدة وليس لها كرامة إنسانية.

وإذا كانت سورية غير، والبحرين غير، وما جرى في مصر غير، وفي ليبيا غير، والآن ما يجري في تركيا غير، فإن النتيجة الحتمية هي ما نراه اليوم من استمرار التشفي على الدماء البريئة والخراب المنظم على أنغام الحقد المتبادل وشحن النفوس بكل ما هو قبيح من كراهية وعنف وتحريض وتبادل الصور والكليبات التي تشبع غليل الصدور المريضة هنا وهناك.

وإذا كانت كل هذه الملايين من البشر الموزعة في هذه الدول طابوراً خامساً ضد حكوماتها الداخلية فليتبادلوها، وليأخذ كل نظام الموالين له منها، ويبني دولة جديدة قائمة على الوئام والسلام وبدون فلسفة زائدة إحنا غير!

فهذه الحكومات جميعها غير قابلة أو راغبة في إصلاح نفسها واحترام شعوبها ومطالبها وغير مكترثة لأرواحهم ودمائهم.