شان سا المولودة في بكين عام 1972، بدأت كشاعرة وهي طفلة، ثم ذهبت للدراسة في فرنسا واستقرت فيها ودرست الفلسفة. في روايتها {باب السلام السماوي}، لا تذهب بعيداً عن الواقع، تبدأ مثل فيلم سينمائي من أحداث ساحة {تيان آن مين} الطالبية عام 1989، وتحكي عن الخوف الذي عاشته الفتاة إيمي في ظل النظام الشيوعي الماوي. إيمي تلك الفتاة الرومانسية والمتمردة باعتبارها واحدة من قادة الحركة الطالبية، وقد نظمت برفقة مجموعة من الطلاب تظاهرة في ساحة تيان آن مين ضد الحزب الشيوعي الذي ما زال يمسك بالسلطة منذ عقود.

Ad

ومع مجيء الليل بدأ الجيش بدباباته الزحف نحو الساحة الشهيرة. يقترب من إيمي شاب يدعى كزاو، يمسكها من معصمها ويطلب منها الهرب كي لا يتم القبض عليها. ترفض الذهاب لأنها جزء لا يتجزأ من الاعتصام، فهي الرأس المدبر له، إلا أن كزاو يخبرها أن مجزرة قريبة ستحدث، ترفض مجدداً وتصرخ بوجهه: {إذا مات الطلاب الآخرون وسالت دماؤهم فلماذا أعيش؟ أنا التي جندتهم في هذه الحركة، عبر خطاباتي وعظاتي الحماسية، أنا التي جمعتهم في تيان آن مين. أنا من أطلق فكرة الإضراب عن الطعام، لذلك عليّ أن أموت قبلهم! ماذا أفعل الآن هنا؟ إنني أهرب! أتركهم عرضة للنار والدبابات!}.

يقع كزاو ويظهر الجنود فجأة، فتختبئ إيمي خلف شجرة. ومع مرور الوقت، تتوه في المدينة إلى حين لقائها بسائق شاحنة بالطريق. تطلب منه أن يقلها إلى تيان آن مين ولكنه يرفض ذلك. يتعرف السائق إليها سريعاً لأن الجنود كانوا قد نشروا صوراً لها في كل مكان تحت اسم «المتآمرة ضد الحزب» مطالبين برأسها. يأخذها السائق معه كي يخبئها في منزله كي لا يتم اعتقالها. تختبئ أيمي، لتغادر بكين. تجتاز آلاف الكيلومترات هرباً نحو الجبال، فيلاحقها الجندي زاوا بلا هوادة، يدفعه إلى ذلك إيمانه الذي لا حدود له بالنظام الأعمى.

مذكرات

يبحث أعضاء الحزب عن إيمي في كل مكان حتى يصلوا إلى منزلها. يُصاب والدها بذبحة صدرية على إثر ما حدث وسرعان ما يتوفى. وخلال تواجد الجنود في المستشفى، تهدي والدة إيمي دفاتر مذكراتها للجندي طالبة منه أن يقرأها ليعرف كم أن ابنتها حساسة ونقية وبريئة من التهم كافة المنسوبة لها.

يبدأ الجندي بقراءة المذكرات ويقارن بين الفتاة وبينه. هو لم يعرف إلا الصحراء وحب الوطن، وهي فتاة صغيرة لم تتجاوز الحادية والعشرين وتعرف هذا الكم من الحياة؟ فكيف لمن هو في عمرها أن ينتقل من البراءة إلى الإجرام؟ كلما قرأ الجندي المزيد من مذكراتها كلما قرر أن يعود أدراجه، ولكنها الأوامر! إلا أن ذلك لم يمنعه من أن يتمنى لقاءها ليعرف منها شيئاً واحداً: سر الحياة. لكن وإلى نهاية الرواية تتبدل المشاهد، ويصبح زاوا شخصاً آخر وتقف الأحداث هنا: «عبر منظاره شاهد زاوا الأشجار تتلوى انتقل نظره من جبل إلى آخر، ليتوقف عند أعلى القمة... فجأة ظهر له شكل ما، رأى امرأة في ثوب طويل من النار، ميز جيداً اليدين والقدمين العاريتين المدماة، رأى الضفيرة الطويلة... آه صرخ زاوا... حدقت فيه، التقت عيناها بعينيه، نسي فجأة حياته الماضية. ابتسمت له. هل رأيت شيئاً؟ صرخ أحد الجنود... خفض زاوا منظاره والتفت إلى الجندي: كلام، لا شيء، أجابه».

نقرأ في رواية شان سا القصيرة والمقتضبة، سرداً يحكي الألم الذي يعيشه كل من البطلة الهاربة والجندي الذي يقود عملية الملاحقة، ونعيش في بعض مقاطعها الأجواء الشعرية والتفاصيل السياسية والإنسانية والدرامية، من دون الإغراق في الكليشيهات. رواية بسيطة وصارمة وتسلط الضوء على عبثية المأساة، هي أشبه بفيلم سينمائي عن {ثورة الأحلام} التي أجهضت في بكين، أو هي سفر سينمائي وسمفونية شعرية عن الحب في زمن الواقع المرير.