المطلوب مصالحة فلسطينية لمواجهة خطر «حماس»
يدور هذه الأيام حديث عن المصالحة الفلسطينية، وعند ذكر المصالحة يقفز إلى الرأس مباشرة أن المقصود بها هما تنظيما "فتح" و"حماس"، ومن يتناول هذا الموضوع بالحديث الآن يركز دائماً على عدة نقاط منها أن الوضع الآن بات أكثر صعوبة بعد سقوط "الإخوان" في مصر، وأن مصر بوضعها الراهن لم تعد تصلح لأن تكون وسيطاً بين الطرفين، وأن جهداً إضافياً ينبغي أن يُبذَل من أجل الدفع لعودة عجلة المصالحة إلى الدوران حتى لو أن ذلك يتم خارج الدور المصري، في رأيي المتواضع أن كل هذا الحديث عما يطلق عليها المصالحة هو حديث خارج السياق وملتف على الواقع، هذا الواقع الذي أوضح بكل دقة حقيقة تنظيم "حماس" وكيف أنه لا يعبر إلا عن توجهات جماعته، إضافة إلى ذلك فإن "حماس" بكشفها عن وجهها الحقيقي وانتماءاتها فإنها قد تحولت إلى موقع الخطورة على الأمن القومي المصري، بل والعربي. وقد يكون مفيداً التذكرة بانطلاق الخلاف وبعده مصطلح المصالحة، في مطلع 2006 تم تنظيم ثاني انتخابات تشريعية فلسطينية، وهي أول انتخابات تشارك فيها "حماس" التي حققت مفاجأة بحصد أغلبية المقاعد في المجلس التشريعي، وبعد رفض الفصائل المشاركة في حكومة "حماس"، شكلت الحركة حكومتها برئاسة إسماعيل هنية الذي سلم يوم 19 مارس 2006، بعدها انطلقت حملة عنف واسعة بين التنظيمين الكبيرين "فتح" و"حماس"، ومنذ ذلك الوقت تعددت محاولات وقف الاشتباكات التي لم تكن تصمد أكثر من أيام قليلة في كل مرة، من بين هذه المحاولات وثيقة الأسرى ووساطة قطرية -طبعا- ومؤتمرات حوار وطني واتفاق مكة الذي عقد في الأراضي المقدسة، وهو الاتفاق الذي شهدت بعده غزة انقلاب "حماس" وسيطرتها على القطاع، وهو الانقلاب الذي أطلقت "حماس" عليه اسم "الحسم العسكري"، ليتحول الانقسام الجغرافي إلى انقسام سيطرة سياسية كامل يوم 14 يونيو 2007.
وبعد صمت لأكثر من عامين وتحديداً في أوائل 2009 وبعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، تجددت الوساطة بين الفصائل لتكون هذه المرة مصرية، حيث أعدت القاهرة خلاصة أفكارها فيما باتت تعرف بـ"الورقة المصرية" وطرحتها في سبتمبر 2009، سارعت حركة "فتح" للتوقيع عليها لكن حركة "حماس" قالت إنها بحاجة إلى وقت لدراستها قبل أن تطلب إدخال تعديلات عليها، لكن السلطات المصرية رفضت الطلب، وهو ما أدى إلى تجميد الأمور من جديد شهوراً طويلة. منذ ذلك الوقت حملت مصر الملف الذي اسمه المصالحة، وظل في أول لائحة أولويات النظام المصري في سياسته الخارجية، وكان اهتمام القيادة السياسية المصرية في ذلك الوقت بإنجاز مصالحة فلسطينية نابع من اقتناع بأن "حماس" هي فصيل وطني وأن الخلاف بين الطرفين ينبغي أن ينتهي لمصلحة الشعب الفلسطيني، وقد كنت قريباً بعض الشيء في ذلك الوقت من التحركات والجهود المصرية لإنجاز هذه المصالحة، ووصل الأمر إلى القبول في يوم من الأيام إلى دخول إرهابيين ليجلسوا على مائدة التفاوض مع بقية الأطراف الفلسطينية داخل جهاز المخابرات العامة المصرية. وظل الاهتمام قائماً حتى بعد سقوط النظام في 2011، وعقد اتفاق بين الطرفين ولكنه ظل دائماً حبراً على ورق. أين الخلل في كل هذا؟ أظن أن الخلل يكمن في عدم الفهم المبكر لطبيعة جناح "الإخوان المسلمين" في غزة الذي يطلق عليه "حماس"، أصابنا عمى اختياري منعنا من أن نرى حقيقة الأمور، ولم نسأل أنفسنا لحظة هل تريد "حماس" حقاً تلك المصالحة؟ هل تعترف أصلاً بها؟ هل هدفها هو الشعب الفلسطيني ودولته؟ ومن المستفيد من هذا الوضع التقسيمي القائم على مبدأ المحاصصة، الضفة لأبو مازن وغزة لحماس؟ هل صحيح أن كلا الطرفين، عباس- وهنية، سعيد بالوضع الراهن؟ هذه الأسئلة وعلى شاكلتها كثير لم نواجهها مواجهة حقيقية وعشنا الوهم الذي سبق الحديث عنه الأسبوع الماضي. السيد موسى أبو مرزوق عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" رئيس وفد الحوار مع "فتح" والذي مازال يقيم في مصر قال مؤخراً، إن الوضع المصري غير جاهز لاستضافة المصالحة الفلسطينية حالياً، مشدداً على أن قرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس استئناف المفاوضات مع إسرائيل أدخل ملف المصالحة "الثلاجة"، وأن الأوضاع الداخلية لمصر "انعكست بشكل مباشر على ملف المصالحة". وأظن ويظن معي الكثيرون أن ملف المصالحة لم يدخل ثلاجة الحفظ ليعود إلى الحياة مرة أخرى، ولكنه دخل ثلاجة حفظ الموتى، الحديث الآن عن جهد مصري لتحقيق مصالحة مع جناح "الإخوان المسلمين" و"فتح" هو موقف يتناقض مع مفهوم الأمن القومي المصري الذي اختارت "حماس" أن تكشف عن حقيقتها باعتبارها عنصر خطر على الأمن القومي، بل ووفرت العناء على كل من سيحاول بذل الجهد لتوضيح ذلك عندما شاركوا في العمليات الإرهابية داخل مصر وعندما استعرضوا قوتهم العسكرية قرب الحدود مع مصر وهم يرفعون شعارات "الإخوان المسلمين". المطلوب الآن هو تغيير اتجاه المصالحة من كونها مصالحة فتحاوية حمساوية إلى مصالحة فتحاوية - فتحاوية، لم يعد مقبولاً أن يظل الخلاف بين أبناء "فتح" في هذا التوقيت، المتوقع أن تتوحد الجهود من أجل إنهاء حالة الاختطاف التي يعانيها أهل غزة منذ أكثر من ست سنوات.