منذ النكبة أو الهزيمة الأولى للجيوش العربية في منع ايجاد دولة إسرائيل في قلب الأمة العربية والذي يمثل مغامرة تاريخية للشعب اليهودي، الذي وافق على أن تكون دولته الناشئة محاطة بدول عربية تفوقها عددا وتحمل لها عداء مشابها معتمدة على احتواء الغرب ومناصرته لها وواثقة من التأثير على قراراتها. كان العقل اليهودي في هذا الصراع الطويل يعتمد على خطين مهمين في نجاح المغامرة وسبب استمرارها حتى الآن وربما لوقت طويل قادم. الأول هو المال والثاني هو الفكر. ولم يكن ينقص العرب الأول ولا الثاني ولكن المأساة كانت في التعامل مع هذين الخطين.

Ad

في سنوات الهزائم التى توالت على العرب حتى هزيمة 67 المخزية هاجر العقل الفلسطيني الى الدول العربية، والخليجية بالتحديد، ليشكل رافدا أساسيا في النهضة العلمية والأدبية ويبدأ حراكه السياسي في البحث عن طريق العودة الى الوطن الأم. ولكن المتابع لحركة العقل الفلسطيني يرى غياب التفكير لما هو أبعد من اللحظة الآنية والموقف المتأثر مباشرة بما يحدث حوله وانتقاله فجأة من جهة الى أخرى للبحث عن أي خطاب مستهلك ينادي بإعادة فلسطين للفلسطينين. افترق الفكر الفلسطيني الى مجموعة من الفصائل المتباينة أيدلوجيا وتشكل الفريق الاسلامي المعتدل والمتشدد والفريق الوطني والشيوعي والقومي بناء على تقبل الجهة الحاضنة لهذا الفكر أو ذاك وتوزعت فكرة اعادة فلسطين الى أكثر من فكرة لم تنجح أي منها.

في عام 1990، هذا العام الحاسم، اجتمعت الفصائل المتباينة فجأة لترى في صدام حسين وخطابه ما يضعها على بعد خطوات من أبواب القدس وهو يختم حواره بعاشت فلسطين ويمنح دولاراته لهذه الفصائل. ويطالب بانسحابه من الكويت اذا انسحبت اسرائيل من فلسطين. لم يكن في هذه الفرق صاحب بصيرة يرى أن الرجل قد أغرق القضية في مستنقع لن تنهض منه.

تقلصت الفصائل الى فصيلين يستولى الأول على الضفة والآخر على قطاع غزة، يرى الأول أن الحل الوحيد هو مفاوضات حتى وان كان الأضعف فيها، بينما يرى الآخر المقاومة طريقا لتحقيق النصر. والآخر هذا هو الحركة الأكثر تنظيما والتى فازت بانتخابات رئاسية وصاحبة الفكر الذي يصيبك بالدهشة. حركة الاخوان المسلمين –فرع فلسطين – تناصر صدام حسين عدو دمشق وايران وعدو الخليج ومصر في ما بعد رغم التباين الفكري بين الحركة وفكر البعث العربي. وتنتقل الى سورية وايران بعد سقوط صدام وهما فكران لا يلتقيان معها ويعرف كل منهما الآخر منذ بداية النكسة. حين توشك السفينة السورية على الغرق يقفز الفريق الفلسطيني باتجاه قطر. يفوز الاخوان في مصر ويتقرب الفريق الى مماثله رغم ايمان اخوان مصر بالاتفاقية المصرية – الاسرائيلية ورسائل المودة بينهما. يسقط حكم الاخوان في مصر ويجدون أنفسهم في عزلة مرة أخرى فلم تعد هناك سلة تستقبل البيض الفلسطيني.

لم يبن الفكر الفلسطيني، بالرغم من الإرث الثقافي الطويل، ثباتا في موقف أو اعتدالا ممكنا من القرار العربي المتباين والمنقسم وكان دائما جزءا من هذا الانقسام وربما يعتاش عليه. واعادة تكوين هذا العقل تبدو أكثر استحالة من اعادة تآلف السياسة العربية نفسها. لا يعرف الفلسطيني ما سيكون عليه الوضع في القادم من الأيام فلم يحسنوا التفكير فيه أو التخطيط له.