يوضح مخرج فيلم «عيون الحرية... شارع الموت» أحمد سوني أن المخرجين الشباب يواجهون المشاكل نفسها التي يعانيها السوق السينمائي، يتعلق بعضها بمشاكل إنتاجية، وبعضها الآخر بطغيان الأفلام التجارية وسيطرتها على الوضع العام، ما يؤدي إلى اقتصار الأفلام الحقيقية على واحد أو اثنين في الموسم.

Ad

يضيف أن الأفلام التجارية مثل أفلام السبكي تُصوّر في أربعة أسابيع ويكلف إنتاجها مليوني جنيه وتحقق أرباحًا هائلة، مع العلم أن تصوير فيلم يستغرق في أقل تقدير من ثمانية إلى 12 أسبوعًا، موضحًا أن منتجي الأفلام التجارية يتبعون قاعدة «اصرف القليل تكسب الكثير»، لا سيما أنها تعتمد على الطبقات المهمشة والشعبية من دون التركيز على الرسالة فيها.

يشير سوني إلى منتجين يعانون «عقدة الخواجة» ويشجعون المخرجين الذين درسوا في الخارج ويعتمدون عليهم، في حين يخافون استثمار أموالهم مع مخرجين مبتدئين رغم أن كثرًا منهم عرضت أعمالهم في مهرجانات ضخمة مثل مهرجان «كان»، ونالت جوائز عربية وعالمية.

يتفاءل سوني بمستقبل السينما في حال فكرت شركات الإنتاج بجذب  المخرجين الشباب ومنحهم فرصة التمويل، شرط ألا تتعامل مع هؤلاء كأن لا قيمة لهم أو مكانة، وتفرض عليهم متطلبات معينة وتتدخل في تفاصيل العمل، وتلقي مسؤولية فشل الفيلم مثلاً على المخرج الحديث العهد.

انقسام السوق

أكبر مشكلة يواجهها المخرج الشاب بهاء الجمل، الذي نال جائزة الدعم في «المركز القومي للسينما‬»، هي افتقاده إلى جهات تموّل الأفلام التي يخرجها، ولو وجدها فإن فيلمه لا يُعرض.

يضيف: «ينقسم السوق بين سينما مستقلة وهذه منفردة لا علاقة لها بالأفلام المطروحة، وأفلام العيد ونحن بعيدون عن هذه النوعية، بالتالي لا مكان لنا في هذين القسمين، ولا نستطيع المحاربة للدخول بينهما».

ويتوقع الجمل أن تتوقف السينما بعد تعليق بيع الأفلام للقنوات وإفلاس بعض المنتجين، ما سيؤدي في النهاية إلى انهيار أمبراطوريات منتجين أمثال السبكي، «هنا يظهر دور المبدعين الجدد الذين سيتعاونون لإعادة بناء فن السينما بعد تدميره بأفكار وأفلام دون المستوى».

من جهته، يؤكد مخرج فيلم «سكان المدينة» أدهم الشريف، الحائز جوائز عدة، أن العقبة الكبرى التي تواجه المبدعين الشباب هي سيطرة الأفلام التجارية على السوق السينمائي، ومن يريد تقديم سينما جديدة عليه بذل مجهود كبير، فما من منتج مستعدّ للمجازفة بأمواله في فيلم لمخرج شاب، في ظل اعتياد المشاهد على أفلام معينة يشاهدها وينأى عن غيرها.

يضيف الشريف أن الاحتكار الذي يمارسه بعض المنتجين يشكل إحدى أبرز الظواهر السيئة، «المنتج هو الموزع وصاحب دور عرض، بالتالي إذا لم نتعاون مع منتج قوي لن نجد دار عرض  تعرض فيلمنا. وحتى السينما المستقلة ورغم كلفتها القليلة إلا أنها تواجه المشكلة نفسها».

يتوقع حدوث مرحلة تحول في السينما لا يعرف ملامحها، لكنها ستقلب الموازين، ويقترح حلولاً للمشكلات أهمها: أن تملك الدولة دور العرض مثلما كان يحدث منذ سنوات، فتُتاح الفرصة لعرض الأفلام بحيادية ويحصل الجميع على حق العرض من دون استثناء، وأن تعرض الأفلام القصيرة قبل الطويلة لتكسب جماهيرية تسمح بعرضها منفردة.

مسار طويل

يوضح مخرج فيلم «القط ذو القبعة الحمراء» حسان نعمة، الحائز جائزة أحسن فيلم في مهرجان «كام» للأفلام القصيرة، أن إجبار المخرج الشاب على بدء طريقه بأفلام روائية قصيرة ثم تسجيلية وصولاً بعد سنوات إلى أفلام طويلة إحدى أثقل التحديات التي تواجهه، ورغم عدم اقتناعه بهذا الواقع، لكنه اكتشف أنه لن يستطيع الاستمرار ما لم يمر بهذه المراحل.

يضيف أن الأفلام المستقلّة أصبحت «عصابات»، إذ انغلقت على نفسها ولا تقبل عناصر دخيلة عليها وتطبق مبدأ الشللية، وشركات إنتاج هذه الأفلام «مُسيّسة» بمعنى أنها تفرض أفكارًا على المخرجين لمناقشتها في أعمالهم بهدف حصول الفيلم على جوائز في مهرجانات مثل دبي وأبو ظبي والدوحة التي تعطي منحًا كبيرة، لذا يرفض نعمة العمل في السينما المستقلة لأنه لا يريد أن يفرض عليه المنتج رؤية معينة.

نعمة ليس متفائلاً بمستقبل السينما نظرًا إلى سيطرة المحسوبية على السوق السينمائي، والدليل، في رأيه، سحب فيلم «المسافر» من دور العرض بعد مرور عشرة أيام على طرحه، لأنه كان بعيدًا عن حسابات السوق، ويؤكد: «ما دمنا نعرض للجمهور ثقافة تافهة فمن الطبيعي أن ينفر من الموضوعات الجادة التي تشكل وجه السينما الآخر».

يشير نعمة إلى أنه حصل على دعم من وزارة الثقافة المصرية لفيلمه الجديد «رمادي» الذي يصوره راهنًا، بعدما مرّ بمرحلتين: عرض الفيلم على لجنة قراءة السيناريوهات برئاسة الناقد د. محمد كامل القليوبي، ثم على لجنة الإنتاج بقيادة المنتج محمد العدل التي تشترط ألا يزيد الإنتاج على 100 ألف جنيه، لافتًا إلى أن هذا الدعم يشجع المبدع في بداية طريقه، رغم وجود تباطؤ في إجراءات الحصول عليه، كتقديم السيرة الذاتية وإثبات أن المخرج من خريجي معهد السينما وتقديم نماذج من أعمال سابقة له، لكنه يتحمل ذلك كله مقابل ألا يقع في يد منتج دكتاتور يفرض رؤيته على السيناريو والممثلين.

كذلك يوضح أن هذا المبلغ يكفي حاجته للتصوير ودفع أجور الممثلين المشاركين فيه، وإن كان لم يحصل عليه بعد لأن من شروطه أن يبحث المخرج عن شركة تمول فيلمه بنسبة 25 % في مقابل 75 % من الوزارة، ومن حسن حظه أن زميله محمد سمير، خريج المعهد، أسس شركة «داي دريم» للإنتاج التي تبنت مشروعه وستساهم في المونتاج.