تشرفت كغيري من الشخصيات العلمية والحقوقية والسياسية في المشاركة بالمؤتمر الأول حول "حالة البدون" الذي عقد في "جمعية الخريجين" يومي 15 و16 من هذا الشهر، أولاً من منطلق الواجب والمسؤولية تجاه هذه القضية المرعبة بمختلف تفاصيلها، وثانياً احتراماً وتقديراً لجهود "مجموعة الـ29" التي أعتبرها شخصياً من المجاميع النادرة اليوم التي تجمع بين الإخلاص والمصداقية في زمن أغبر فرضت المصالح الضيقة والحسابات السياسية نفسها فرضاً في كل شاردة وواردة، وأفسدت تيارات عريقة وشخصيات ورموزاً فانحرفت عن تلك الأطروحات الجميلة التي كانت تمثل حلماً لكويت مختلفة، زاهية ونقية، واعدة ومتألقة.
نعم قضية "البدون" شهدت محطات عديدة خلال العقدين السابقين امتزجت خلالها الصرخة والدمعة، وتنافست فيها الإنسانية والعنصرية، ودارت فيها عجلة حل هذه المعضلة المزمنة رغم المحاولات المتواصلة لوضع عصي العرقلة والإحباط والتأخير وخلط الأوراق في طريق نجاح الجهود العديدة التي تعاقبت شخصيات ومجاميع لحمل لوائها، هذه المجاميع التي يجب أن نحفظ حقها بكل تحية وعرفان.ويبدو أن "مجموعة الـ29" وما تحمله في طياتها من كوكبة من الشابات الرقيقات في بنيتهن التكوينية ولكن بجرأة وشجاعة وثقة فاقت الكثير من الرجال في الشدائد، هي الأقدر على مواصلة هذه المسيرة وإحداث نقلة نوعية مختلفة في التعاطي معها ومن خلال عمل ميداني منظم ورائع، ومن صور ذلك المؤتمر الأخير الذي امتاز بالطرح العلمي والموضوعي سواء في سرد تاريخ هذه المشكلة، أو أبعادها الثقافية والاجتماعية والسياسية أو عمقها الدستوري والقانوني، وأخيراً الحلول والمخارج المقترحة لها.ومن المؤسف والمؤلم أن تشارك شخصيات وطنية مرموقة وغنية في العلم والدراية، وكذلك العديد من مؤسسات المجتمع المدني في مثل هذه اللقاءات لإضفاء الصبغة الوطنية على هذا الملف المزعج للجميع، وإيصال رسالة صريحة بأن قضية "البدون" أصبحت قضية وطن يجب أن تعالج بشراكة كويتية شاملة كاستحقاق مهم، وفي المقابل تتنصل الحكومة وبكل هيئاتها وعلى رأسها الجهاز المركزي من مسؤولياتها، رغم أنها الجهة الرئيسة المكلفة رسمياً بحل القضية من جذورها، وأعطيت صلاحيات واسعة لخدمة هذا الموضوع، خصوصاً أن العمر الزمني لهذا الجهاز دخل مرحلة العد التنازلي دون أن يلوح في الأفق ما يطمئن بأنه يسير في الطريق الصحيح.ومكابرة الجهاز المركزي والوهم الذي يعيشه بأنه الآمر الناهي في معالجة قضية "البدون" تثبت حقيقة بما لا يدع مجالاً للشك أن الحكومة هي الآفة التي خلقت مشكلة "البدون"، وهي العقبة الرئيسة في طريق حلها، بل إنها مستمرة وبعناد في الاتجاه الخطأ.والمشكلة الأكبر أن هؤلاء المعاندين متيقنون أنهم سينصاعون رغماً عنهم لتبني حلول غيرهم ممن يفكرون بإخلاص وموضوعية ومنطق، ولكن الأمر مرهون بحسابات الزمن، وكلما طال الزمن لتحقق هذه الضغوط نتيجتها، كان ذلك على حساب جراحات "البدون" ومعاناة أطفالهم.وثقتي كبيرة بأن "مجموعة الـ29" وفكرها النيّر وأداءها التنظيمي الفعال سيساهم في اختزال هذا الزمن، ويسرّع في إيجاد مخارج حقيقية لمشاكل "البدون"، فلكل فرد فيها تحية وإجلال.
مقالات
«البدون» كلاكيت... ثاني مرة!
19-04-2013