قالت الجنايات في حيثيات حكمها الذي تنفرد «الجريدة» بنشره إنه كان الأجدر بالمتهم وهو ابن هذا الوطن أن يحرص على استقراره ويحترم أميره لا أن يقوم بإنكار ولاية الأمير الدستورية وينزله منزلة الفرد العادي في مخاطبته له ويهدده بمسيرات ومظاهرات كبرى إن لم يتراجع عن المرسوم، ويحرض الشعب عليه ويوهم الناس بأن الأمير عنصري ومتفرد بالقرار وأنه يعاملهم كقطيع، لافتة إلى ان كل ذلك لا يمت لحرية الرأي بأي صلة لا من قريب ولا من بعيد.

Ad

وكانت النيابة العامة قد وجهت للمغرد الحشاش تهمتي الطعن علنا في حقوق الأمير وسلطته وعاب في الذات الاميرية وتطاول على مسند الإمارة، وكان ذلك عن طريق الكتابة بأن نشر ست تغريدات موضوع التحقيق من خلال حسابه في موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» على شبكة المعلومات الدولية وقصد بها سمو الأمير، كما وجهت النيابة له تهمة اساءة استعمال احدى وسائل الاتصالات الهاتفية، وذلك باستخدام هاتف نقال وذلك عن طريق كتابة ست تغريدات موضوع التهمة الأولى.

 المادة 25

وقالت محكمة الجنايات في حيثيات حكمها إنه لما كانت المادة 25 من القانون رقم 31 لسنة 1970 بتعديل بعض أحكام قانون الجزاء رقم 16 لسنة 1960 قد نص فيها القانون على أنه يعاقب بالحبس مدة لا تجاوز خمس سنوات كل من طعن علنا أو في مكان عام أو في مكان يستطيع فيه سماعه او رؤيته من كان في مكان عام عن طريق القول أو الصياح أو الكتابة أو الرسوم أو الصور أو أية وسيلة أخرى من وسائل التعبير عن الفكر في حقوق الامير وسلطته أو عاب في ذات الأمير او تطاول على مسند الإمارة.

وأضافت وحيث انه من المقرر ان مفاد النص السالف ان المشرع تطلب لقيام الجريمة الواردة فيه الطعن في حقوق الأمير وسلطته أو العيب فيه سماعه او رؤيته من كان في مكان عام، وإما أن يأتيه علنا بإحدى وسائل التعبير عن الفكر كائنة ما كانت وذلك بقيام الجاني بتوزيع او اذاعة او ايصال او عرض فكره او رأيه او ترويجه على عدد من الناس بغير تمييز، وفضلا عن توافر الركن المادي يلزم لاكتمال عناصر التجريم، توافر الركن المعنوي وهو القصد الجنائي، فهذه الجريمة عمدية ولكن القصد اللازم فيها هو القصد الجنائي العام ويقوم على علم الجاني بأن فعله فيه طعن في حقوق الامير وسلطته او ان يكون فيه عيب في ذات الأمير او تطاول على مسند الامارة ولا اعتداد بعد ذلك بالباعث الدافع إلى ارتكاب الجريمة، ومن ثم فقد دلت هذه المادة على أن أيا من الجرائم المؤثمة بها بركنيها المادي والمعنوي تتوافر بقيام الجاني بأي نشاط ايجابي يكون من شأنه بلوغ الغاية المستهدفة بالجريمة مع علمه بما لنشاطه من أثر في تحقيق هذه الغاية، وكان توافر القصد الجنائي فيها أو عدم توافره من مسائل الواقع التي تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها بغير معقب ما دامت تقيم قضاءها على ما ينتجه ولا يلزم أن يتحدث الحكم صراحة او استقلالا عن توافر كل ركن من اركانها ما دام في مؤدى ما أورده من وقائع من وقائع وظروف الدعوى ما يكفي للدلالة على قيامه.

ضابط الواقعة

وذكرت المحكمة في حيثيات حكمها انها بعد أن أحاطت بالدعوى وظروفها عن بصر وبصيرة قر في يقينها واطمأن وجدانها إلى أن المتهم بتاريخ 20/10/2012 ارتكب التهمتين المسندتين إليه بوصفيهما وكيفيتهما الواردتين بتقرير الاتهام حيث توافر في حقه كافة أركانهما وعناصرهما القانونية والواقعية وذلك أخذا من اطمئنان المحكمة لما شهد به الضابط بإدارة مكافحة الجرائم الالكترونية بالادارة العامة للمباحث الجنائية من أن تحرياته أسفرت عن ان المتهم قام بكتابة مقال بواسطة هاتفه النقال تضمن عبارات تعيب في الامير، أثبتها في مدونة على شبكة الانترنت وحمل المقال عنوان «تمنيت ان اعشقك يابوناصر» وكان ذلك بتاريخ 20/10/2012 اعتراضا منه على خطاب الامير وعلى قيام الامير بإصدار مرسوم ضرورة بتعديل قانون انتخاب أعضاء مجلس الامة بجعل لكل ناخب حق الادلاء بصوت واحد بدلا من أربعة اصوات، وجاء في مواضع من المقال عبارات مسيئة للامير وإنكار من المتهم لأي مكانة يحملها الامير لشخصه وفقا للدستور من خلال رفض المتهم أن الأمير هو المسؤول والحاكم وفقا للدستور كما دون عبارة اتهم فيها الامير باللامبالاة وعدم الاهتمام بشؤون البلاد والاهتمام بالامور الخاصة بتقضية وقت الفراغ ومنها القنص، وفي ذلك اساءة لشخص الامير حيث انها تحتوي في طياتها ان الامير لا يمارس واجباته الدستورية ويهتم بالقنص والسفر، وفي ذلك سخرية واضحة من شخص الامير، كما دون عبارة فيها اتهام واضح من المتهم للامير بأنه شخص ظالم مستبد من خلال امره بضرب المواطنين كما جاءت هذه العبارة ذات نبرة تهديد من خلال عبارة «هل كنت تعلم أنك ستخسر الكثير» وجاء في عبارة أخرى «يا شيخ انت تقف بصف شريحة من المجتمع ضد شريحة أخرى» وفي هذه العبارة اتهام للامير بأنه عنصري وغير عادل ويميز بين الناس وفي هذا اساءة للأمير.

 وجاء في عبارة أخرى اتهام للأمير بأنه مارس الانفراد بالحكم ويقصد من ذلك انكار ما للامير من سلطة دستورية مقررة له في حالة عدم وجود برلمان بإصدار مراسيم ضرورة، وقد نعت المتهم سلطة الأمير بأنها انفراد بالسلطة وانفراد بقرار شعب كامل كما اتهم الامير بعدم الديمقراطية من خلال عبارة «اين الديمقراطية وأين الرأي الآخر واين الشورى»، كما جاء في موضوع اخر من المقال تهديد مبطن من المتهم لسلطات الامير للحد منها وتهديده بأكبر مسيرة.

إقرار المتهم

وقالت المحكمة ان ضابط الواقعة اضاف بأن المتهم يقصد العيب في ذات الأمير والحد من سلطاته والحط من قدره أمام شعبه والطعن في حقوقه وسلطاته الدستورية ومنها اصدار مراسيم الضرورة، فضلا عن اقرار المتهم بتحقيقات النيابة بأنه هو من أنشأ مدونة هاتفه النقال الذي باعه لشخص لا يعرفه في صباح اليوم التالي الذي استدعي فيه للتحقيق معه، وانه في ذلك المقال وعنوانه «تمنيت أن اعشقك يا بو ناصر» كان يخاطب سمو الأمير، وقد ارفقت صورة من هذا المقال بالأوراق وثبت للمحكمة من مطالعته انه موجه الى سمو الامير، وقد جاء اسفل العنوان مباشرة عبارة «الى مقام أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد تحية طيبة وبعد لسموكم»، ومن ثم فإن كل عبارة كتبت في المقال موجهة الى أمير البلاد، وفضلا عن العبارات المجرمة سالفة الذكر التي ذكرها ضابط الواقعة فإن في المقال أيضا عبارات أخرى مجرمة.

 تهديد بالمسيرات

وأشارت الى انه كان الثابت للمحكمة من استقرائها لجميع العبارات والجمل سالفة الذكر التي وردت بذلك المقال أن المتهم كتب المقال ونشره بمدونة على شبكة الانترنت المتاح للكافة الدخول اليها والاطلاع على ما يكتب فيها وجه خطابه في المقال لسمو أمير البلاد بأسلوب اعتراه التحدي وجعله خصما مباشرا له ونزل بها معه الى مرتبة الفرد العادي وأنكر ولاية سمو الأمير الدستورية وهدده بالمسيرات والمظاهرات ان لم يتراجع عن ذلك المرسوم في محاولة منه لاجبار وارغام سموه على التراجع واتهمه بالتفرد بالحكم حال ممارسته حقه الدستوري في اصدار المرسوم سالف الذكر وقصد تحريض الشعب على سموه من خلال ايهام الناس بأن الأمير خصم لهم وانه يعاملهم كقطيع وأنه يأمر بضربهم وانه عنصري يفرق بينهم وانه متفرد بالقرار وليس لديه ديمقراطية ولا احترام للرأي الآخر، وان سموه يولي القنص اهتماما ولا يأبه بأمور البلاد وان مسار سموه في ادارة الدولة خطأ وأنه لذلك يجب الخروج عليه بمسيرات ومظاهرات تكون هي الأكبر في تاريخ الكويت.

 وقد تضمنت تلك العبارات تصريحا بالمواجهة المباشرة مع سمو الأمير وتحديا صارخا له تأباه ابسط القواعد القانونية فضلا عن القواعد الاخلاقية وهي عبارات تنطوي على اخلال جسيم بالنظم المعمول بها في البلاد في مخاطبة سمو الأمير، كما طعن طعنا صريحا يعيب في الذات الأميرية ويخل بالاحترام الواجب للأمير ويهدر هيبة سموه مما يؤدي الى اضعاف الاحترام الواجب لشخص الأمير وسلطته، بل وفيه حض على عدم طاعة سموه والخروج عليه وقد اقتنعت المحكمة بما لا يدع مجالا للشك بتوافر سوء النية لدى المتهم وان قصده من ذلك هو الطعن في حقوق الأمير وسلطته والعيب في ذاته والتطاول على مسند الإمارة مع علمه بمضمون تلك العبارات والتي من شأنها أن تؤدي الى ذلك القصد باعتبار انها قد جاءت صريحة ومباشرة ولا ينال من جميع ما سبق ما قرره المتهم من انه لم يكن يقصد الطعن في حقوق الأمير وسلطته ولا العيب في ذاته ولا التطاول على مسند الإمارة وانما كان يقصد من المقال المذكور هو الشكوى لصاحب السمو من الوضع القائم وشحذ ارادة الأمير في ان تنصرف في اصلاح امور البلاد وانه أي المقال لا يخرج عن كونه نصيحة وامنيات وشكوى لمقام سمو الأمير من الوضع الذي آلت اليه الأمور إذ إن المحكمة تلتفت عن هذا القول باعتباره مجرد دفاع واهٍ قصد منه درء ما تردى به من جرم.

ضوابط لحرية الرأي

 وتشير المحكمة الى انه لا يمكن القول هنا بأن ما صدر من المتهم يندرج تحت مظلة حرية الرأي التي كلفها الدستور إذ إن الدستور حدد ضوابط لممارسة حرية الرأي جعلها في إطار الشروط والأوضاع التي بينها القانون وذلك حسبما جاء في المادة (36) منه إذ نصت على أن «حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة ولكل انسان حق التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو غيرهما وذلك وفقا للشروط والأوضاع التي بينها القانون» ومن ثم فإنه يجب على أي انسان عند ممارسة حرية الرأي أن يخالف القانون والحرية كما جاء بتعريفها هي القدرة على إتيان الشيء دون الاضرار بالآخرين وما اقترفه المتهم ليس بحرية رأي وإنما هي مخالفات صريحة للقانون حيث طعن علنا في حقوق الأمير وسلطته وعاب في ذاته وتطاول على مسند الإمارة رغم أن المادة (51) من الدستور نصت على أن «السلطة التشريعية يتولاها الأمير ومجلس الأمة وفقا للدستور» والمادة (54) منه نصت على أن «الأمير رئيس الدولة وذاته مصونة لا تمس» والمتهم في جميع تلك العبارات الصريحة التي كتبها ونشرها لم يخالف القانون فقط بل خالف الأعراف والشرع الاسلامي الحنيف أيضا، إذ أن الله تعالى قال في كتابه العزيز «يا أيها الذين أمنوا اطيعو الله وأطيعو الرسول وأولي الأمر منكم» وذكر الطبري رحمه الله في «جامع البيان» أن أبو هريرة وابن عباس وغريها قالوا إن المقصود بأولي الأمر الذين أمر الله عباده في طاعتهم في هذه الآية هم الأمراء، وجاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «من أطاعني فقد أطاع الله ومن يعصني فقد عصَ الله ومن يطع الأمير فقط أطاعني ومن يعص الله فقد عصاني»، وقال صلى الله عليه وسلم «ليس منا من لم يوقر كبيرنا» كما قال عليه أفضل الصلاة والتسليم «أنزلوا الناس منازلهم» ومناصحة الأمير تكون في إطار النظام والقانون حفظا لمكانة سموه، أما الإنكار على سموه في العلن فإنه فضلا عن مخالفته للقانون فانه تتأذى به مشاعر المواطنين ويجلب مفاسد ويؤدي الى عدم استقرار البلاد ويهبط بالمكانة السامية ويهدر هيبته وهو رمز البلد مما يؤدي الى عدم شعور الفرد العادي بالأمان، وعليه فإنه كان الاجدى بالمتهم وهو ابن هذا الوطن أن يحرص على استقراره وأن يحترم أميره لا أن يقوم بانكار ولاية الأمير الدستورية وينزله الى منزلة الفرد العادي في مخاطبته له ويهدده بمسيرات ومظاهرات كبرى ان لم يتراجع عن المرسوم ويحرض الشعب عليه ويوهم الناس بأن الأمير عنصري ومتفرد بالقرار وأنه يعاملهم كقطيع اذ ان كل هذا لا يمت لحرية الرأي بأي صلة لا من قريب أو من بعيد.