الموريسية أناندا ديفي

نشر في 09-04-2013
آخر تحديث 09-04-2013 | 00:01
 طالب الرفاعي هناك كتب اتخذت من التوجه إلى الكاتب، وربما الكاتب الروائي الشاب عنواناً لمادتها كصاحب نوبل الكاتب البيروفي: «ماريو فارغاس يوسا-Mario Vargas Liosa» في كتابه «رسائل لروائي شاب»، والكاتب الإيطالي: «ايتالو كالفينو-Italo Calvino» في كتابه «ست وصايا للألفية القادمة، محاضرات في الإبداع» لكن الكاتبة الموريسية المتحدرة من أصل هندي: «أناندا ديفي-Ananda Devi» في روايتها «الرجال الذين يحادثونني-Les Hommes Qui Me Parlent «، ترجمة الشاعر د. شربل داغر، عن سلسلة إبداعات عالمية، التابعة للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، تقدم رواية سيرة ذاتية بنقاء البلور، وبقدرة عجيبة على خلق خطين متوازيين يحملان الرواية، هما بوح السيرة الذاتية الملتاع والصادق والجريء، وأسرار عوالم الكتابة الإبداعية.

أناندا ديفي، ابنة جزيرة «موريس في المحيط الهندي، المولودة عام 1957، تتعرض لسيرة حياتها منذ كانت في الخامسة، وحتى لحظتها الراهنة بعد ثلاثين سنة من الزواج، وقرارها بهجر بيت الزوجية والاختلاء بنفسها في شقة، للتأمل في درب عمرها وعلاقتها في الكتابة. وهي إذ تكتب سيرتها الذاتية النسوية، فإنها تنشر معاناة المرأة أينما كانت ومحاولة الرجال الذين يحيطون بها لقمعها والسيطرة عليها، وتقدم الدليل على أن فكر ووعي المرأة كلما زاد واتسع قادها إلى دفع ضريبة قاسية لا لشيء إلا لأنها أنثى، ولأن النساء «أتين من أجل إنجاز المستحيل»ص193.

إن توزع حياة المرأة بين إرضاء زوجها وتربية أبنائها والقيام بواجباتها المنزلية على خير وجه، يجعل من تصديها لمهمة الكتابة الإبداعية مهمة مستحيلة، ويجعل من إصرارها على حمل ذلك على خفق قلبها مهمة قادرة على أن تصدّع بناء قلبها وتهدم روحها.

إن واقعاً حياتياً نحياه في الوطن العربي، والعالم أجمع، يدفع بالعشرات من الروايات إلى رفوف المكتبات يومياً، يجعل من العثور على رواية كرواية «أناندا ديفي» حدثاً مفرحاً للقلب يعيد الثقة بقدرة الإبداع على إعطاء الإنسان التوازن الذي ينشد، ويفتح عينيه على معادلات الحياة ليراها بشكل جديد، وربما هذه الجِدّة تكون كفيلة بقلب حياته رأساً على عقب.

رواية «الرجال الذين يحادثونني» تقدم سيرة حياة المؤلفة، ببوح حميمي يجمع بين التجربة الإنسانية الخاصة، وتأثير القراءات الفكرية والإبداعية في حياتها، ليعرّي علاقاتها بالرجال الذين يحيطون بها، بدءاً من الأب مروراً بالزوج والأبناء الثلاثة، وانتهاء عند كاتب يحاورها كتابةً عبر الإنترنت، والمؤلفة في كل ذلك تقدم تشريحاً دالاً على إصرار الرجل على التدخل لقيادة حياة المرأة الزوجة والأم والصديقة، وكم يبدو ألم المرأة المبدعة مضاعفاً حين تكون الكتابة هي شغلها الشاغل، بينما يجبرها وسطها الأسري والاجتماعي على ممارسة مهماتها اليومية الموجعة كزوجة وأم ومربية وربما خادمة.

إن التمتع في قراءة رواية «أناندا ديفي» ينبع من عنصرين الأول، الانكشاف على تجربة أنثوية إنسانية خاصة، والعنصر الثاني، وقد يكون شخصيا، هو الغوص في عمق تقنيات الكتابة الإبداعية، وكيف يمكن لأي جملة تردّ عند كاتب آخر أن تكون محركاً للكاتب نفسه، وكيف أن قراءات أعمال روائية وإبداعية وحتى التفرج على معارض تشكيلة كفيل بالتحكم بمزاج الكاتب وبالتالي نتاجه الإبداعي.

كتابة رواية السيرة الذاتية، ربما أصبحت الموجة الأعلى في العالم خلال العقدين الماضيين ولم تزل، والسيرة الذاتية التي تُكتب بأقلام نسائية تكون في الغالب أقدر على جذب انتباه وإعجاب القراء حول العالم، لكن ما يميّز «أناندا ديفي» في سيرتها هو أنها تجعل من القارئ مشاركاً ليس في الاطلاع على سيرتها بأدق تفاصيلها وأسراها، بل مشاركاً في كتابة تلك السيرة عبر السير به في مخاضات الكتابة ومراحل تبلورها.

back to top