الآثار السلبية لإقرار «إسقاط الفوائد» اليوم ستمتد عشرات السنين

نشر في 03-04-2013 | 00:03
آخر تحديث 03-04-2013 | 00:03
No Image Caption
• سيرسي قيماً اجتماعية واقتصادية سيئة تؤثر في الأجيال الحالية والقادمة
• يؤدي إلى اهتزاز ثقة المتعاملين بالقطاع المصرفي محلياً وإقليمياً وعالمياً
سوف يسبب إقرار قانون إسقاط الفوائد آثاراً سلبية كثيرة على الكويت، أبرزها الأثر الاجتماعي، عبر إنشاء جيل جديد لديه ثقافة استهلاكية غير مسؤولة، إضافة إلى الأثر الاقتصادي، عبر إهدار المال العام على بنود استهلاكية ليس لها مردود اقتصادي، وعدم الاهتمام بالإنفاق الاستثماري على مشاريع خطة التنمية.
ينتظر اليوم مناقشة مجلس الامة لملف اسقاط فوائد القروض وإنشاء صندوق الاسرة لحل مشكلة المتعثرين من المواطنين، وذلك بعد اجراء التعديلات اللازمة على القانون والتي استبعدت المقترضين من البنوك الاسلامية بناء على رأي البنوك الاسلامية الذي اكد عدم امكانية اسقاط ارباح القروض الاسلامية بعد سداد اصل القرض.

كما تم الاتفاق بين الحكومة واللجنة المالية في المجلس على تعديل بعض مواد صندوق المتعثرين، خاصة تلك المادة التي كانت تمنع المشاركين فيه من الحصول على قروض جديدة، على الا يتم السماح للمشتركين في صندوق المتعثرين بالانضمام الى صندوق الاسرة، كما تطرقت التعديلات الاخيرة الى السماح بدخول صندوق الاسرة لكل من تمت جدولة قروضه بعد 30/3/2008.

ويتحمل المال العام بموجب هذا القانون المقترح نحو 720 مليون دينار في افضل التقديرات ويمكن ان تزيد التكلفة عن هذا الرقم، وذلك في ظل ضغط أعضاء مجلس الامة على الحكومة لإضافة مزيد من الشرائح بهدف ارضاء المواطنين بقرارات شعبوية وعدم الاهتمام بالتنمية الحقيقية أو بالعدالة الاجتماعية بين المواطنين.

ويرى اقتصاديون أنه في حالة اقرار هذا القانون سيكون جريمة في حق الاجيال القادمة، باستنزاف الاحتياطيات المستقبلية في الانفاق الاستهلاكي دون مقابل حقيقي أو زيادة في الانتاج، مؤكدين أن ذلك يعد جريمة في حق الاجيال الحالية ايضاً لانه لم يراع العدالة الاجتماعية بين المواطنين ولم يراعها بين المقترضين انفسهم، وذلك بين العميل الذي حصل على قرض او تمويل كبير والآخر الذي حصل على تمويل صغير، او ذلك الذي لم يحصل على قرض من الاساس.

أبعاد سلبية

وأكدوا أن هذا الملف له العديد من الابعاد السلبية على الكويت، أهمها البعد الاجتماعي، حيث سيساعد على إنشاء جيل جديد من المواطنين لديهم ثقافة استهلاكية غير مسؤولة، وذلك لأن هذا القرار سيشجعه على الاقتراض والاستهلاك وليس الانتاج ودون التزام منه بالسداد.

وأوضحوا أن له تأثيرا سلبيا على البعد الاقتصادي، واهدارا للمال العام على بنود استهلاكية ليس لها مردود اقتصادي، وعدم الاهتمام بالانفاق الاستثماري على مشاريع خطة التنمية ومشاريع البنى التحتية والتي لديها عوائد اقتصادية واجتماعية ستعود على جميع المواطنين وليس على فئة محددة.

ولاقى موقف البنك المركزي الرافض لإسقاط القروض أو فوائدها، دعماً كبيراً من الكثير من المتخصصين، إذ اعتبر "المركزي" أن مثل هذه القرارات ستؤدي إلى الاخلال بالعدالة الاجتماعية وستؤثر سلبياً على القطاع المصرفي، وتمس استقلالية بنك الكويت المركزي وتحد من قدراته على اتخاذ قرارات مهنية وفنية صحيحة، مقابل تدخلات حكومية ونيابية تسعى الى مكاسب سياسية، كما سيؤثر أيضاً على نظرة وثقة المتعاملين مع القطاع المصرفي، محليا أو اقليميا أو عالميا، بسبب عدم استقراره امام المطالب السياسية.

تسييس الملف

إن تسييس هذا الملف جعل العديد من الاطراف متحرجة من اتخاذ المواقف السليمة ازاءه، وذلك بالرغم من انه فني وتم علاجه من قبل البنك المركزي الذي رصد جميع المخالفات التي تمت في الفترة المذكورة في المقترح البرلماني وقام بمعاقبة جميع المخالفين.

يأتي ذلك في وقت دعا عدد من الاقتصاديين إلى معالجة قضية القروض دون تحميل ميزانية الدولة مزيدا من المصروفات والتكاليف، مشيرين إلى وجود عدة اقتراحات تم طرحها بهذا الشأن مثل تعديل ضوابط وشروط صندوق المعسرين بهدف زيادة شريحة المستفيدين، وذلك بزيادة مبلغ القرض، والدفع في اتجاه تسهيل اجراءات آلية ومدد التسديد، وفتح الباب للمتعاملين مع الصندوق للاقتراض مرة أخرى.

وأجمعوا على ان صندوق المتعثرين هو الحل الامثل لهذه المشكلة إن وجدت، خاصة وأن التعثر في القروض لدى البنوك لا يتجاوز نسبة 1.5 في المئة، لافتين إلى قيام الحكومة بمعالجة مشكلة المتعثرين بطرح صندوق المعسرين الذي استفاد منه نحو 26 ألف مواطن من الذين كانوا يعانون تعثرا في سداد التزاماتهم.

إشكالية البنوك الاسلامية

إن البنوك الإسلامية رفضت أي مقترح بهذا الخصوص، لأنه يتعارض مع القواعد الشرعية التي تعتبر أساس عمل هذه البنوك، على حد قول مراقبين، أوضحوا أن البنك التقليدي يقوم على أساس الإقراض بسعر فائدة محددة، أما البنك الاسلامي فيقوم على أساس العمل وفق قاعدة الربح والخسارة، لافتين إلى أن من أهم القواعد الشرعية التي تطبقها البنوك الاسلامية هو بيع السلع مقابل المال، ولا تقدم مالا مقابل مال، لذلك فعقد التمويل بين الطرفين هو عقد شراء وبيع ولا يمكن فصل سعر الأصل أو السلعة المباعة عن الارباح التي حققها البنك بصفته البائع، وتنطبق هذه القواعد على جميع أدوات التمويل الشرعية التي تكون قائمة على المشاركة أو البيع أو الإجارة أو التوريق أو إصدار صكوك التمويل الإسلامية وغيرها من الأدوات، مبينة أنه في حال تعثر المدين فإن البنوك الاسلامية لا تقوم بزيادة الدين أو تعديل سعره لإعادة الجدولة مرة أخرى.

ومن المعروف أن أعضاء المجلس آثروا أن يستثنوا البنوك الاسلامية من القانون، لأن تطبيق مثل هذا القانون عليها قد يؤدي إلى حدوث "بلبلة" أو "اهتزاز ثقة" لدى المتعاملين مع البنوك الاسلامية، حيث سيفصل بين ربحية البنك وبين سعر الاصل المباع.

غير أن استبعاد البنوك الاسلامية من القانون يخل بمبدأ العدالة الاجتماعية بين عملاء البنوك التقليدية وبين عملاء البنوك الاسلامية، فلماذا يتم اسقاط الفوائد على البنوك التقليدية فقط، حيث إن من شأن هذا التوجه أن يؤدي إلى الإخلال بمبدأ التنافسية في المستقبل بين البنوك الاسلامية والتقليدية، خاصة أن المقترضين سيكون في ذهنهم عند الاقتراض انه سيتم إسقاط التزاماتهم او جزء منها في المستقبل.

زيادة الإنفاق الاستهلاكي

ويذكر أن ميزانية الدولة تحملت خلال السبع سنوات الماضية نحو 7.513 مليارات دينار تكلفة المنح والزيادات والكوادر والعلاوات التي تم اقرارها دون وجود مردود اقتصادي لها بل وتصب في مصلحة ارتفاع معدلات التضخم، لاسيما مع صرف المواطنين لأغلبها على السلع الاستهلاكية وهو ما تؤكده التقارير الاقتصادية التي ترصد زيادة الانفاق الاستهلاكي للمواطنين، بالرغم من استمرار الأزمة المالية والاقتصادية خلال هذه الفترة.

فالبنسبة للكوادر والزيادات بلغ إجمالي ما تم اقراره من بدالات وكوادر في الفترة من بداية 2005 إلى نهاية مارس 2011 نحو 3.577 مليارات دينار، في حين تم اقرار زيادات أخرى في مارس 2011 بقيمة بلغت 1.4 مليار دينار، لـ17 ألف موظف، والمعلمين الكويتيين والوافدين، ومساعدي المهندسين والاداريين، كما تم اقرار زيادة في العلاوات واقرار علاوة غلاء المعيشية عام 2008 بقيمة بلغت 380 مليون دينار.

أما بالنسبة للمنح التي تم إقرارها من عام 2006، فكانت أول منحة في 24 يوليو 2006 بقيمة 200 دينار لكل مواطن بتكلفة إجمالية بلغت نحو 200 مليون دينار، وأخرى بقيمة 120 دينارا لكل مواطن إضافة إلى تكاليف دعم أخرى تم منحها، حيث بلغت إجمالي تكاليفها نحو 380 مليون دينار، كما قامت الحكومة في عام 2009 بالاكتتاب نيابة عن المواطنين بعدد 760 مليون سهم لبنك وربة بقيمة 76 مليون دينار بقيمة اسمية 100 فلس للسهم مدفوعة بالكامل وتوزع بالتساوي على المواطنين الكويتيين المسجلين بسجلات الهيئة العامة للمعلومات المدنية حتى 4 أكتوبر 2009، وذلك بخلاف حصة الهيئة العامة للاستثمار البالغة 240 مليون سهم.

وفي 24 فبراير 2011 تم صرف منحة أميرية بقيمة 1000 دينار لكل مواطن، وبتكلفة اجمالية بلغت نحو مليار دينار أضيف إليها صرف الدعم التمويني مجاناً بتكلفة اجمالية بلغت 230 مليون دينار.

تأثير سلبي على البنوك

إن عدداً كبيراً من الخبراء أكدوا أن ملف اسقاط فوائد القروض سيكون له العديد من السلبيات على قطاع المصارف، فمن جانب يرسخ مبدأ "اقترض ولا تلتزم" وهو ما سيؤدي إلى تعثر العديد من المواطنين عن سداد التزاماتهم الائتمانية بانتظار تشريعات أخرى تسقط عنهم فوائد قروضهم الجديدة، كما سيقوم أغلب المواطنين باستخدام الحد الأقصى لقدرتهم على الاقتراض دون وجود نية حقيقية لخدمة ديونهم، في انتظار إسقاطها مرة اخرى.

كما ان البنوك لن تستفيد بأي شكل من الاشكال من "القانون المقترح" فجميع القروض المتعثرة لديها تم تحويلها الى صندوق المعسرين، فضلاً عن أن التعثر في القروض لا يتجاوز نسبة 1.5 في المئة، وسيزيد هذا المقترح من سيولة البنوك بشكل كبير، لتضاف إلى السيولة المتخمة لديها في ظل غياب قنوات الاستثمار وبطء اقرار مشاريع خطة التنمية، إضافة إلى ذلك فإنه في حال اقرار "اسقاط الفوائد" فإن البنوك سترفض ودائع العملاء بشكل صريح، لأنها لن تكون بحاجة إليها مع توافر سيولة كبيرة لا تستطيع استثمارها.

وترجمة لذلك قامت بعض البنوك المحلية بالفعل بإجراءات الهدف منها رفض ودائع العملاء، ولكن بطريقة غير مباشرة، وذلك عبر خفض قيمة الفوائد وعوائد الودائع لتقترب من الصفر، وذلك لعدم قدرتها على توظيف السيولة الناتجة من هذه الودائع، بسبب انكماش سوق الائتمان المحلي.

يذكر أن السيولة النقدية لدى البنوك المحلية شهدت ارتفاعاً كبيراً خلال العام الماضي وفق البيانات الاخيرة للبنك المركزي، لترتفع بنسبة 34.4 في المئة وبقيمة 1.687 مليار دينار لترتفع من 4.904 مليارات دينار في نهاية 2011 إلى 6.591 مليارات دينار في نهاية شهر يناير الماضي، كما ارتفعت قيمة الودائع لدى البنوك (الودائع الحكومية + ودائع القطاع الخاص) بنسبة 19 في المئة لتبلغ 33.708 مليار دينار في يناير الماضي مقابل 28.329 مليار دينار في نهاية ديسمبر 2011.

ومن هنا تعالت اصوات كثيرة مشددة على أن اسقاط الفوائد سيؤدي إلى اهتزاز ثقة المتعاملين مع القطاع المصرفي سواء محلياً أو إقليمياً أو عالمياً، بسبب عدم استقراره امام المطالب السياسية، بالاضافة لاهتزاز الثقة باستقلالية البنك المركزي وعدم قدرته على اتخاذ قرارات مهنية وفنية صحيحة، مقابل تدخلات حكومية ونيابية تسعى إلى مكاسب سياسية.

back to top