بعد مرور 4 أعوام ودخولنا في العام الخامس للأزمة المالية العالمية، وظهور العديد من الممارسات الخاطئة للعديد من الشركات المدرجة في سوق الكويت للأوراق المالية وشركات الاستثمار تحديداً، ظهرت اقتراحات من قبل اتحاد المصارف الكويتية واتحاد شركات الاستثمار الكويتية واتحاد الشركات الصناعية تم عرضها على سمو الامير خلال استقباله لهم قبل أيام، بضرورة مساعدة القطاع المالي الكويتي من بنوك وشركات استثمار، خصوصاً المتعثر منها، واستخدام المال العام في شراء هذه الشركات وبأصولها –الأقرب إلى أن تكون مسمومة- للعمل على إعادة هيكلتها ومن ثم إعادة بيعها.

Ad

وشمل الاقتراح الشركات المتعثرة في العديد من القطاعات التشغيلية، مثل الصناعة والعقار والاستثمار وغيرها.

ويقول مراقبون إن من المستغرب أن تأتي هذه الاتحادات بمثل هذه الاقتراحات خصوصاً بعد ظهور العديد من الممارسات السلبية التي كانت مستترة أثناء فترة الرواج الاقتصادي وفضحتها تداعيات الأزمة المالية في الكويت، وغض النظر عنها وكأن ما حدث يرجع للأزمة المالية فقط دون غيرها!

تعارض

ويشير مراقبون إلى أن هذه الاقتراحات تتعارض مع أهداف الجهات الرقابية في الوقت الحالي، فوزارة التجارة والصناعة على سبيل المثال لديها قوانين تحتم على الشركات التي تفقد رأسمالها التصفية وكذلك بنك الكويت الكويت المركزي، وهيئة أسواق المال أعلنت في وقت سابق إلغاء إدراج بعض الشركات المتعثرة أو تلك التي لم تقم بتقديم ميزانياتها بسبب تعثراتها، أي ان الجهات الرقابية تفضل أن تقوم بـ«تنظيف» السوق من أي شركة تتعثر ولم تقم بمساعدة نفسها في وقت محدد، لا أن تتم مكافأتها وشراؤها.

المحاسبة

وبتنفيذ مثل هذا الاقتراح، لن نرى هناك محاسبة لإدارات عاثت فساداً في إدارتها لشركاتها المتعثرة، فمسألة أن تقوم الحكومة بشراء الشركة بأوضاعها الحالية تعني عدم المحاسبة على الأخطاء السابقة التي يؤكد المراقبون أنها كانت السبب الرئيسي في استمرار أزمة شركات الاستثمار –على وجه التحديد– حتى هذه اللحظة ودون وجود تطورات تُذكر في ملفات بعض الشركات.

وما فائدة المساعدة إن لم تكن مبنية على أساس الثواب والعقاب وتحديد من أساء في إدارته لشركة ما وتوضيح عقوبته لتنظيف السوق من هذه الممارسات!

وتركزت مطالبات الشركات الاستثمارية منذ بداية الأزمة، على ضرورة استخدام المال العام لمعالجة تعثراتها، أحياناً عن طريق شراء أصولها، واحياناً عن طريق قيام الحكومة بضمان القروض لدى البنوك الدائنة، وإعادة الجدولة لمدد زمنية، وأحياناً الدخول في زيادات رؤوس الأموال، وغيرها العديد من المقترحات التي تم تقديمها من قبل العديد من الفعاليات الاقتصادية سواء عن طرق اتحاد الشركات الاستثمارية أو بشكل فردي.

عند النظر في المطالبات، نجد أن الشركات سبقت أن طالبت بها مراراً وتكراراً منذ بداية الأزمة وحتى الآن، والتركيز منصب على «تدخل حكومي – استخدام المال العام – شراء الاصول – ضمان الديون – الاكتتاب في زيادات رؤوس الاموال – شراء سندات وصكوك»، وغيرها من المقترحات العديدة، متناسين في الوقت ذاته التطرق إلى مسؤولية العديد من إدارات الشركات فيما آلت إليه أوضاع شركاتهم من تدهورات وتعثرات، بسبب جشع البعض منهم، وتجاهل البعض الآخر لأصول العمل الاستثماري وتنويع الادوات الاستثمارية لشركاتهم والتوجه نحو المضاربة، لا شيء سوى المضاربة، إن صعد السوق صعدت أرباح الشركة وإن نزل نزلت الأرباح.

لماذا التستر؟

وإن كان لملاك الشركات توجهات إصلاحية لأوضاع شركاتهم، فإنهم مطالبون بتغيير الإدارات التي أخطأت، ومحاسبتها، لكن ما نراه هو العكس، فأغلب الإدارات موجودة في مقاعدها دون تغيير فعلي لها، وحتى من تم كشفه بالتجاوزات والمخالفات وتوقيع المخالفات من قبل «المركزي» وعزله من مناصبه، تم التستر عليه وتصوير الأمر وكأنه «استقالة» فقط لا غير، دون القيام بما يجب عليهم القيام به حمايةً لأموال الشركة ومساهميها.

الفائدة من شراء الشركات

ويتساءل مراقبون: ما الفائدة التي ستحققها الدولة من شراء هذه الشركات في اوضاعها الحالية؟ وما هو العائد المتوقع جراء الاستثمار في هذا الأمر؟ وهل الجهاز الحكومي قادر أساسا على مثل هذه الخطوة والعمل على إعادة هيكلة الشركات وتنظيفها وتنمية أصولها، وهو الذي فشل في إدارة الشركات الحكومية حتى الآن؟

الحتمية

يجب أن تعي الاتحادات الممثلة للشركات بمختلف أنشطتها وقطاعاتها التشغيلية، أن خروج بعض الشركات من السوق وتصفيتها ومحاسبة مسؤوليها «أمر حتمي» يجب أن يحدث خلال الفترة القادمة، ولا وجود لسبب وحيد يقنع بخلط الحابل بالنابل وتضييع الفرصة على محاسبة المقصرين من الإدارات الفاسدة التي ساهمت في ضياع حقوق المساهمين وأموالهم، واقتراح كهذا من شأنه أن يساهم في حماية هؤلاء المتجاوزين وحماية شركاتهم «الميتة أصلاً» منذ اندلاع الأزمة المالية وحتى يومنا هذا.

الإنفاق الاستثماري

ما يجب أن تفعله الحكومة، وما يجب أن يدخل ضمن نطاقه استخدام المال العام، هو زيادة الإنفاق الاستثماري والرأسمالي، ولا حاجة للتخطيط ودراسة المشاريع الجديدة، فخطة التنمية تكفي لأن تنعش السوق ككل، والقطاع الخاص ككل، وليس قطاع الشركات الاستثمارية فقط، لان تنفيذ المشاريع الواردة في خطة التنمية مطلب شعبي واقتصادي، ولا خلاف عليه، نظراً لحاجة الدولة لها، فالبلد «واقف» ويجب أن يكون هناك إنفاق حكومي على المشاريع، أما مسألة مساعدة «كل الشركات» فهذا من شأنه أن يكون سلبياً أكثر مما هو إيجابي.

ويقول مراقبون: «اننا نؤيد استخدام المال العام في شراء الشركات والأصول الجيدة فقط والتي تأتي بناء على قرارات فنية بحتة لا سياسية واجتماعية، فالشركات التي تمتلك أصولاً جيدة ستساهم بالنهاية في تحقيق المال العام لأرباح إذا ما أحسنت الدولة استغلالها، أما الأصول «الميتة» فلا يمكن أن تساهم بتحقيق فوائد ما إلا للإدارات والملاّك المستفيدين منها، وربما يكونون هم أسباب تعثر شركاتهم».

تنظيف السوق

لطالما أكد العديد من المراقبين الاقتصاديين أن عملية تنظيف السوق من الشركات «السيئة» أفضل بكثير من مساعدتها والمراهنة على كسب المزيد من الوقت للتعافي، فإعطاء «مخدر» لمرض ما، لا يساهم في الشفاء منه بل مجرد تأخيره، أما إعطائه الدواء فمن شأنه أن يساهم بالشفاء منه، وربما يكون دواء بعض الشركات المتعثرة هو التصفية والخروج من السوق وليس شراءها أو شراء أصولها، فما الذي سيستفيده السوق من استمرار وجودها رغم أوضاعها التي تؤثر في السوق؟

 ثم ما العائد المتوقع الذي ستقوم بتحقيقه الدولة من الدخول في مثل هذه الاستثمارات؟ وما نسبة المخاطرة في الدخول فيها أساساً خصوصاً مع علمنا بمدى صعوبة أوضاع هذه الشركات وأصولها؟