الإعلام في مصر... حصار وسجن وأجندات ومصالح شخصية
انقسام القنوات بين مؤيد للحكم إلى حدّ النفاق والتضليل ومعارض إلى حدّ الهجوم والتطاول، حصار متطرفين لمدينة الإنتاج الإعلامي لتطهير الإعلام على حد تعبيرهم، اقتحام جريدة «الوفد» وتهديد جرائد أخرى في ظل تواطؤ ملحوظ من الدولة، اتهامات معدّة مسبقًا لكل من يعارض أو ينتقد... هذا حال الإعلام المصري اليوم ولا أحد يستطيع التكهن بمستقبله.
يرى الإعلامي محمود الورواري أننا نعيش حالاً من الفوضى مع إعلاميين أدركوا خطأهم في ظل نظام سابق ويحاولون تصحيح هذا الخطأ بمصارحة المشاهد بكل شيء، إلا أنهم اصطدموا بنظام لا يختلف عن سابقه ولا يحترم الإعلام ولا المشاهد، وباتوا مطالبين بالدفاع عن أنفسهم من الاتهامات الجاهزة التي تكال ضد كل من ينتقد النظام.يتوقّع الورواري رؤية إعلاميين خلف القضبان «لأننا تعيش في ظل نظام لا يعرف معنى الحياد ويتربص بالإعلاميين»، مضيفًا أن الإعلام، رغم أخطائه، إلا أنه حائط الصدّ في وجه أي نظام فاشي، «ولن نجد استقرارًا في المشهد الإعلامي من دون استقرار في المشهد السياسي».
حصن أخير تعزو الإعلامية هالة فهمي هجوم جماعة «الإخوان المسلمين» الشرس على الإعلام إلى نجاحه في فضح مخططهم، رغم ما يتشدقون به من ديمقراطية وحرية. وتكشف هالة أنه تم التحقيق معها ومع الإعلامية بثينة كامل لانتقادهما سياسات الجماعة والرئيس على الهواء، «لذا منعت من دخول التلفزيون ما جعلني أتقدم ببلاغ للنائب العام ضد المسؤولين فيه لأتمكن من دخوله».تستنكر هالة إصدار وزير الإعلام صلاح عبد المقصود قائمة تضم إعلاميين عاملين في اتحاد الإذاعة والتلفزيون اعتادوا انتقاد جماعة «الإخوان المسلمين» في برامجهم، لافتة إلى أن هذا المنع جزء من محاولة «الإخوان» للسيطرة على الوطن وتغيير هويته وعدم افتضاح أمرهم، لذا تطالب الإعلاميين بالوقوف أمام هذا المخطط والهجوم الشرس ضد الإعلام الذي تصفه بـ «الحصن الأخير».بدوره يرى عصام الأمير (مدير التلفزيون المستقيل) أن «أخونة» التلفزيون المصري واضحة لكل متابع، إذ يستضيف من ينتمون إلى الجماعة أو على أقل تقدير يؤيدون قراراتها، «المهم أن تسير الحلقة في اتجاه واحد وهو التأييد المطلق، لتكتمل الصورة بعد تعيين ياسر الدكاني، مدير قناة «مصر 25» التابعة لجماعة «الإخوان المسلمين»، رئيسًا لقطاع الأخبار في التلفزيون المصري، تنفيذًا لأجندات وتوجهات واضحة لكل متابع على الساحة الإعلامية، ما يعني الابتعاد عن المعايير المهنية». يضيف: «أصبح المشاهد أكثر وعيًا وسوف يلفظ المنافق والسيئ ويبقي على الجيد»، موضحًا أن استقالته تندرج ضمن اعتراضه على سياسة الإخوان داخل «ماسبيرو»، ومتوقعًا أن تنتصر الحرية في النهاية ويصبح لدينا إعلام نفتخر به في المستقبل. المواطن خاسرما يحدث ليس حربًا، برأي الإعلامي علاء الكحكي، ولا محاولة من النظام لفرض سلطته على الإعلام، بل تسلط من كلا الطرفين وتغليب المصالح الفردية على مصلحة الوطن، وهو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالمشهد السياسي.يضيف: «ثمة فصيل فشل في تحقيق حضوره في الشارع السياسي وخسر الجولات والصناديق، فاستخدم الإعلام الخاص لإيهام الناس بأن ما يحدث مخطط وفاسد وما إلى ذلك من اتهامات حول تكميم الأفواه، تبعه تطاول وعنف من الطرف الآخر وحصار وهجوم على الجرائد، والخاسر الوحيد هنا هو الوطن الذي لا يبحث أي منهم عن مصلحته».يتوقع الكحكي أن «يبيع أصحاب القنوات قنواتهم إلى أطراف خارجية، فيصبح الإعلام المصري فريسة في يد الخارج ولا نضمن بأي شكل سوف يدار». من جهته يرى الإعلامي طارق حبيب أن مستقبل الإعلام، في ظل هذه الظروف، غامض ولا يستطيع أحد التنبؤ به، لا سيما أن إعلاميين خالفوا تقاليد المهنة وانتهجوا أسلوب الإثارة والتطاول بحجة الحرية، «ثم رأينا فضيحة كبرى بمحاصرة مدينة الإنتاج وتهديد جرائد مستقلة». يضيف طارق: «يكمن الحلّ في ميثاق شرف للإعلاميين يحفظ للمهنة تقاليدها وللإعلام أهميته واحترامه وحريته، وعلى السلطة الحاكمة احترام الإعلام ومنع المتشددين والمتطاولين من الهجوم عليه».أما د. علي عجوة، عميد كلية الإعلام في جامعة القاهرة، فيرى أن ما يحدث هو محاولة من النظام للسيطرة على الإعلام، من خلال هذه الحرب التي يشنها وجماعته والتي ستبوء بالفشل، لأنه من الصعب السيطرة على الإعلام مع تعدد مصادره من إعلام خاص إلى إعلام إلكتروني ومواقع عديدة... لا سيما بعد ثورة قامت من أجل الحرية.يضيف: «حتى الإعلام الرسمي بات من الصعب السيطرة عليه كما كان يجري سابقًا، بدليل الوقفات والاحتجاجات التي حدثت مع تدخل الدولة فيه ومحاولة توجيهه وفقًا لرؤيتها».وعن المد والجزر بين مؤيدي النظام والإعلاميين في محاولة لفرض كل منهم وجهة نظره، يقول عجوة إن هذا جزء من الفوضى التي نعيشها، بعدما سمحت الدولة باستخدام القوة من خلال مؤيديها ضد المعارضين والإعلاميين، للسيطرة على الإعلام والإعلاميين، «لكن بعد استقرار الأوضاع سيكون لدينا إعلام حرّ على غرار الدول المتقدمة، فلا عودة إلى الوراء وسوف تنتصر الحرية لا محالة».