إن مهمة السياسة الاقتصادية الكلية الحصيفة هي في العادة تشجيع المصارف على الدخول في مزيد من المخاطر حين تكون خائفة، والدخول في مخاطر أقل حين لا تكون خائفة.

Ad

لجنة المالية في مجلس العموم البريطاني تُظهِر نفسها على أنها ليست أداة طيعة في يد الآخرين وإنما جهاز قادر على الإشراف على المصارف، وهو أمر تُحمَد عليه. هذا أمر أساسي، لأن وزارة المالية المستميتة في تعزيز الانتعاش الاقتصادي، ربما تكون صاحبة وجهة نظر قصير الأمد بصورة خطيرة.

لن يكون من الممكن تحقيق الانتعاش الذي يحتاج إليه الاقتصاد إلا من خلال مصارف مرسملة جيداً. وإذا لم يكن من الممكن تحقيق هذا النظام المصرفي فمن الضروري تماماً الإنصات إلى المتطرفين الذين يطالبون بمزيد من الإجراءات، وليس المغنيات الساحرات اللواتي يطالبن بإجراءات أقل.

ومن المؤسف أن السياسة النقدية يمكن أن تذهب في الاتجاه الخاطئ. وأحد المؤشرات على ذلك ربما يكون في عضوية لجنة السياسة المالية في بنك إنكلترا، كلارا فيرس، الرئيسة السابقة لبورصة لندن، وهي من أعضاء اللجنة الجدد، أخبرت لجنة المالية أن «الخطر الرئيسي الذي يهدد الاستقرار المالي في بريطانيا هو إمكانية وقوع انقباض ائتماني آخر، لكن أقل حدة، يكون ناشئاً عن تراكم وتفاعل عدد لا يحصى من المبادرات التنظيمية سريعة التغير وغير المنسقة من مختلف أنحاء العالم».

رسملة متدنية

وهذه إلى حد كبير وجهة نظر المصارف التي تود العودة إلى طريقتها المعتادة في العمل. ولم تعد اللجنة تضم روبرت جنكينز، الذي كان عضواً في لجنة السياسة المالية المؤقتة، الذي كان يجادل بأن الخطر الكبير يتمثل في كون المصارف ذات رسملة متدنية.

وفي أبريل أرسل ميرفن كينج، محافظ بنك إنكلترا الذي سيغادر قريباً، رسالة إلى وزير المالية، جورج أوزبورن، كتب فيها ان «من المهم بصورة خاصة في هذه المرحلة من الدورة، أن تأخذ اللجنة في حسبانها أثر قراراتها في الانتعاش الاقتصادي في المدى القريب، وأن تعطي ذلك الوزن المناسب». ولا بد أن أوزبورن يشعر بالقلق من أنه خلق وحشاً على غرار وحش فرانكنشتاين، أي لجنة من بنك إنكلترا تقف في وجه الانتعاش الاقتصادي الذي يريده لتحقيق نصر انتخابي.

ومن السهل أن نفهم تخوفه، ففي الفترة بين 31 مارس 2009 و30 أبريل 2013، وعلى أساسٍ معدلٍ فصلياً، تقلص الجزء المقرِض المقابل لمخزون الأموال العريضة (M4) – وهو مقياس مستخدم على نطاق واسع لقياس كمية النقود المتداولة بنسبة 19.4 في المئة. واستمرت النقود العريضة نفسها في النمو حتى يناير 2010 بسبب سياسة بنك إنكلترا الخاصة بالتسهيل الكمي. لكنها تقلصت بنسبة 6.1 في المئة بين 31 يناير 2010 و30 أبريل 2013.

عجز مزدوج

وتعاني بريطانيا مزيجا من عدم استعداد المصارف والعجز عن الإقراض وعجز العملاء المحتملين وعدم استعدادهم للاقتراض. وتسهيل بنك إنكلترا يدفع الأمور في اتجاه واحد فقط.

إن مهمة السياسة الاقتصادية الكلية الحصيفة هي في العادة تشجيع المصارف على الدخول في مزيد من المخاطر حين تكون خائفة، والدخول في مخاطر أقل حين لا تكون خائفة. وفي الوضع المثالي تعمل الأجهزة التنظيمية على جعل المصارف تُجَمِّع رأس المال في الأوقات التي تبدو جيدة والعمل برأس مال أدنى إلى حد ما بعد عمليات شطب الأصول اللازمة في الأوقات العصيبة. وللأسف بدأت المصارف برأسمال قليل للغاية. مثلا، توصلت لجنة السياسة المالية المؤقتة في مارس إلى أن «هدف المصارف على المدى القريب هو أن تتمكن بحلول نهاية 2013 من تحقيق حقوق ملكية مشتركة ونسبة رأسمالية لا تقل عن 7 في المئة من الأصول المقدرة بحسب الوزن النسبي للمخاطر».

وقالت إنه حتى لتحقيق هذا الهدف «كان النقص في مجموع رأس المال في نهاية 2012 بحدود 25 مليار جنيه». هل نسبة الـ7 في المئة المذكورة بحسب الوزن النسبي للمخاطر نسبة مفرطة؟ لا. تذكر أن الوزن النسبي للمخاطر هو طريقة للتظاهر بأن الأصول أكثر أماناً مما هي عليه. والتقرير النهائي للجنة المستقلة حول المصارف، التي كنتُ عضواً فيها، أظهر أن الوزن النسبي لمخاطر الأصول تراجع بصورة حادة قبل الأزمة، تماماً في الوقت الذي كانت فيه الأصول تصبح أكثر خطورة.

الرفع المالي

إن الرفع المالي الحقيقي للمصارف لا بد أنه الآن 25 إلى 1. فهل تستطيع هذه الهيئات ذات الرفع المالي العالي إلى هذا الحد أن تخدم الاقتصاد بصورة مأمونة باعتبارها الوسائط المالية الرئيسية للاقتصاد؟ هذه الشركات هي بطبيعتها لا بد أن تكون باستمرار عرضة للاضطراب.

يحتاج صناع السياسة إلى ضمان أن تكون المصارف مرسملة بصورة قوية. وإذا لم يقوموا بذلك فمن المستبعد تماماً أن تتوسع المصارف في عمليات الإقراض. كذلك تحتاج الأنظمة إلى أن تضمن أن تخصص المصارف مبالغ مناسبة ضد الخسائر، وأنها ببساطة لا تتجاهل قروضها الرديئة.

ويمكن أن يُطلب من المصارف أن تجمع رأس المال، ويمكن أن يُطلب منها أن توقف توزيع الأرباح، بل إن من الممكن حتى إكراهها على قبول رأس المال من الحكومة. ومفتاح النجاح هو وضع المصارف على أساس سليم. وفي هذه الحالة فقط يستطيع التسامح التنظيمي أن يكون موضع نظر.

وبطبيعة الحال الحكومة مستميتة من أجل أن تجعل المصارف تنشط في عمليات الإقراض. وهذا هو كذلك التفسير لبرنامجها الأحمق «المساعدة في الشراء»، الذي أُعلِن في الميزانية، والرامي إلى تقديم ضمانة لمؤسسات الإقراض التي تعرض القروض السكنية إلى أصحاب الودائع بنسبة 5 إلى 20 في المئة فقط من أسعار المساكن التي تصل إلى 600 ألف جنيه. لكن ما هو مصدر جاذبية على المدى القصير يمكن أن يتبين أنه خطأ كبير على المدى الطويل. إن طفرة الإقراض التي تتبعها أزمة أخرى هي آخر ما يمكن أن يريده أي شخص.

وهدف لجنة السياسة المالية هو خدمة الصالح العام الأرحب، وليس صالح المصارف التي أصبحت معتادة تماماً على مكافآت أنموذج أعمال يقوم على الحد الأدنى من حقوق الملكية والمساندة من دافعي الضرائب. ولا بد أن تنتهي هذا اللعبة نهائياً. لا تستطيع بريطانيا أن تتحمل تكرار الكارثة التي عانتها قبل فترة قصيرة فقط.

*(فايننشال تايمز)