كثيرا ما كانت مسألة رفع الحصانة عن اعضاء مجلس الأمة تشكل تباينا في مواقف الاعضاء بين الموافقة والمعارضة في التصويت عليها، ولا تخلو جلسات طلبات رفع الحصانة من شد وجذب بين النواب في تفسير الكيدية والدفع بحق التقاضي خصوصا إذ ما أتى تقرير اللجنة برفض رفع الحصانة عن النائب.

Ad

وتشهد نقاشات طلبات رفع الحصانة سجالات كثيرة بشأن تفسير الكيدية بين فريقين، يرى الفريق الأول انه لا يمكن ان تفسر الكيدية بمفهومها القضائي، والاكتفاء بحدود التفسير البرلماني الضيقة والمقصود منها ان الدعوى المرفوعة ضد النائب يقصد منها منعه من أداء واجبه بالمجلس، فضلا عن الدفع بإعطاء حق التقاضي للشاكي خصوصا أن طلبات رفع الحصانة عن النائب تأتي بناء على طلب النيابة العامة والتي يستحال أن تقصد الكيدية وأنها جهة محايدة، فيما يرى الفريق الآخر تفسير الكيدية في رفع الحصانة البرلمانية وفق مفهوم أوسع من الفريق الأول.

ولجنة الشؤون التشريعية والقانونية هي التي تنظر طلبات رفع الحصانة، والمادة 22 من اللائحة الداخلية نصت على أنه "لا تنظر اللجنة أو المجلس في توافر الأدلة أو عدم توافرها من الوجهة القضائية وإنما يقتصر البحث فيما اذا كانت الدعوى كيدية بقصد منع العضو من أداء واجبه بالمجلس، ويأذن المجلس باتخاذ الإجراءات الجزائية متى تبين أنها ليست كذلك".

وعن رأي النواب في ذلك قال النائب عدنان عبدالصمد ان "تقارير اللجنة التشريعية لا يوجد فيها تطبيق حقيقي للمادة 22 من اللائحة الداخلية للمجلس وهي مشكلة موجودة منذ المجالس السابقة"، موضحا ان "هناك كيدية بشكل عام وهي التي ينظرها القضاء وهناك كيدية بالمفهوم البرلماني وهي تعطيل عمل النائب عن اداء عمله، وللأسف لا ينظر للكيدية نظرة جدية بل بمفهومها العام".

وأضاف عبدالصمد

لـ "الجريدة" ان مفهوم الحصانة على مستوى النظريات السياسية لا ينظر له كما ينظر الآن، لافتا الى ان "هناك نوابا في العديد من الدول ليس لديهم حصانة، وفي حال رفع قضية على نائب يتوجه فورا الى الجهات المعنية للتحقيق معه".

وذكر ان مفهوم الحصانة البرلمانية الذي يتداوله البعض في الوقت الحالي كان حين كانت للحكومات الهيمنة، وتعرقل عمل النائب برفع قضايا عليه بصورة مستمرة، منبها الى ان "اليوم لم يعد الأمر ذاته موجودا، ويجب ان يتغير مفهوم الحصانة البرلمانية".

ولفت الى ان "هناك مقترحا تقدم به 10 نواب من المجلس الحالي الى اللجنة التشريعية لطلب تفسير المحكمة الدستورية في المواد 108 و110 و111 الخاصة بالحصانة، والذي من شأنه امداد المجلس بتفسير الكيدية والحصانة والبعد عن اختلاف الرأي بين النواب في تفسيرها"، مشيرا الى ان مقترحا آخر تقدم به النائب نبيل الفضل "لإثبات جدية من يود رفع قضية عبر تحديد رسم مناسب والاتفاق عليه من شأنه الحد من مفهوم الكيدية".

وقال عبدالصمد ان "بعض التقارير الواردة من اللجنة التشريعية يتلفظ فيه المتهم بألفاظ لو قيلت لي لرفعت قضية عليه"، موضحا ان "الشخص يستطيع ان ينتقد ولديه متسع من حرية الرأي لكن دون الاساءة للآخرين، وان رفع الحصانة يكون من باب الانصاف وحق التقاضي بغض النظر عن الخصم وعلاقة المتهم به، وللأسف حتى الآن لم نرتق لمعرفة هذه المفاهيم الدستورية واللائحية على الرغم من الحياة البرلمانية الطويلة".

قضية جنائية

من جانبه قال مقرر اللجنة التشريعية النائب يعقوب الصانع انه "على مر التاريخ البرلماني كان هناك لغط في مسألة الحصانة البرلمانية ورفعها عن النائب، خصوصا ان الأمر يرجع الى قناعة كل عضو بمبررات طلب رفع الحصانة عن عضو مجلس الأمة من منظور الكيدية وتعطيله النائب عن أداء اعماله"، لافتا الى ان اللجنة التشريعية لها الحق في تفسير نص المادة 22 من اللائحة وفق ما تراه وكذلك للنواب الحق فيما يرونه في مسألة الكيدية.

وبين الصانع في تصريح لـ "الجريدة" ان لكل عضو في اللجنة التشريعية قرارته الخاصة في ما يخص تفسير الكيدية ودلالاتها، موضحا ان تصويته على تقارير اللجان مختلف كسائر بقية الاعضاء.

واضاف أن "الكيدية لا يمكن ان تكون في قضية جنائية ارتكبها النائب وتفسر انها ضد حرية التعبير، في حين نجد ان شاكيا تقدم بعدة شكاوى في المشكو بحقه فهنا لا شك انه يراد تعطيل النائب المعني في أداء مهامه"، موضحا ان "هذه الموازنة التي تتبعها اللجنة في مسألة رفع الحصانة وتفسير نص الكيدية، فضلا عما يقتضيه ميزان الأمانة في العمل جعلت اللجنة التشريعية تذهب الى رفع الحصانة في تقاريرها عن احد الاعضاء".