الخطة الخمسية للقضاء على النساء
لا أعرف ما هو سر تنامي الرغبة في تغييب المرأة من أمام الرجل في الخطاب الدعوي السعودي، فرغم أن فرسانه اليوم من الشباب فإن هذا الخطاب بدلاً من أن يشهد تجديداً وتفهماً لروح العصر والتوسط، والأخذ باجتهادات تتبع المصلحة التي هي جوهر الشريعة الإسلامية، فإن ما يبدو اليوم هو تجلٍّ لمفاهيم ما عرف بالصحوة الإسلامية، التي تكشف عن غيبوبة عن الحاضر، وعن ماضوية غارقة في العنف، تتجلى في أشد حالاتها ضد حضور المرأة في المجال العام، فبعد أن كان اسم المرأة علماً في قصائد إخوتها وفرسان قبيلتها، صار عورة يحبذ لو تدارت في شكل رقم أو ضمير مستتر، وليس أدل على ذلك من تسمية مدارس البنات، ففي حين حظيت أسماء مدارس الأولاد بأسماء الصحابة والأعلام، اقتصرت تسمية مدارس البنات على أرقام، كالمدرسة الأولى والثانية والثالثة، وقد توجست خيفة من أن يلحق بنا في الخطط الخمسية الدعوية الصحوية مصير مثل مصير مدارس البنات، فقد يخرج علينا داعية ويقول إن اسم عواطف مثير للعواطف، واسم فاتن مثير للفتنة، وجميلة اسم غير محتشم، وإن موضي اسم غير مستتر، ووضاء، وعليه يجب أن تتسمى النساء في الظاهر بالرقم كالأولى والثانية والثالثة والرابعة، هذه المخاوف داهمتني بعد أن ظهر داعية في قناة سعودية ينصح بتغطية وجه "الطفلة المشتهاة"، موضحاً أن بعض الطفلات قد تكون قد اكتسبت ملامح جمال كبسطة في الجسم وبدانة، ويقول أيضاً إن هذه السمات هي التي تتسبب في تعريضهن للاغتصاب والتحرش الجنسي، حتى من قريبها داخل المنزل، وكلام الداعية صحيح، فكثير من حالات التحرش تأتي من قريب للطفل من الدرجة الأولى، لا تغطي الطفلة وجهها عنه، كالأب والخال، فلماذا إذن تغطي الطفلة وجهها حين تخرج من المنزل مادام المتحرش هو محرمها؟ لم يكن من الضروري، على ما يبدو، أن يطالب الداعية بنشر التوعية في المدارس، ووضع خط ساخن للإبلاغ عن التحرش الجنسي، أو يطالب القضاء بسن قانون رادع ساطع ضد المتحرشين، فلن نحتاج إلى كل هذا مادامت لدينا قدرة على إخفاء وجوه الطفلات.ويبدو أن الدعوات ضد النساء، التي بدأت باحتجاجات ضد دخولهن مجلس الشورى، وضد بيعهن في محلات ملابس النساء، ومنعهن من العمل في المحاكم الشرعية محاميات وكاتبات عدل، ومرشدات في لجان الصلح الأسرية، قد وصلت اليوم إلى إجراءات احترازية ضد طفولتهن المشتهاة، وطمس فتنتهن لو اعتراها بدانة. غني عن القول إن السعودية والكويت هما الأعلى سمنة عالمياً، يعني الغطاء فيك فيك.
بحكم أن الحماس والتفكير لدينا لا يستعر إلا في ما يخص النساء فإنني أتوقع أن تكون الخطة الخمسية الصحوية القادمة هي تغطية أسماء النساء، واستبدالها بأرقام، تجنباً للفتنة، ودرءاً للشبهة، فلن يثير أحداً خبر بأن عضوة مجلس الشورى تاسعة قدمت مداخلتها في مجلس الشورى عبر الشبكة التلفزيونية المغلقة، أو عن قيام وكيلة وزير التربية رقم ثلاثة بزيارة تفقدية لمدرسة البنات السابعة.لكن ماذا لو قامت المراهقات بعمل متهور فكتبن أسماءهن رسماً لا حرفاً، كنوع من التجديد الذي يحبه الشباب عادة، بدلاً من كتابتها، حينئذ لاشك سيخرج علينا داعية يمنعهن من ذلك، بذريعة أن أربعة تقف "معووجة" وأن خمسة مدورة وبدينة، وأن تسعة تغمز بعينها، وأن ثمانية غير محتشمة، ما فيه فايدة. الحل كما قلت سابقاً اقضوا على النساء، أبيدوهن... الله أكبر الله أكبر.