في شهر يوليو من عام 1997 صدر مرسوم كريم من سمو الأمير الراحل جابر الأحمد الجابر الصباح، طيب الله ثراه وجعل الجنة مثواه، بتعييني سفيراً غير مقيم لدى جمهورية الإكوادور الصديقة، وبناء على هذا التكليف السامي فقد غادرت مدينة كراكاس متجهاً إلى مدينة "كيتو"، ونظراً للارتفاع الشاهق لهذه المدينة الذي يصل إلى حوالي 2700 متر فوق سطح البحر، فإن القادم الجديد يشعر بين فترة وأخرى بصعوبة في التنفس، خصوصاً إذا كان من "الإخوان" المدخنين، رافقني في هذه الرحلة الأخ العزيز صالح العازمي الذي طلق الحياة الدبلوماسية، وهو في بدايتها.

Ad

في اليوم المحدد لتقديم أوراق اعتمادي للرئيس فابيان ريفيرا الرئيس الدستوري المؤقت توجهنا إلى القصر الجمهوري، الذي يقع في وسط العاصمة، وقد اصطفت الفرقة الموسيقية للحرس الجمهوري في الساحة المقابلة للقصر، وبدأت بعزف السلام الوطني الكويتي، وأخذ علم الكويت يرتفع في سماء هذا الركن الجميل من الكون.

وأخذت مشاعر الفخر والاعتزاز تملأ وجداني وفؤادي، يا لها من أحاسيس ومشاعر! فيا ليت مثل ذلك الإحساس يصل إلى من يسخر من هذا العلم أو النشيد، بعد استعراض حرس الشرف دخلنا إلى القصر الذي يتميز بالفخامة، وهو من مخلفات الحكم الإسباني لهذا البلد.

 جلست فترة من الوقت مع الرئيس الذي يتميز بالبساطة والتواضع، وبعد انتهاء اللقاء وخروجنا من القصر فوجئنا بأعداد كبيرة من المواطنين وقد أحاطوا بالسيارة، فقد لفت انتباههم ملابسنا العربية فأخذ البعض يصافحنا والبعض الآخر يتمسح بـ"البشت".

وكلمة "الإكوادور" تعني باللغة الإسبانية خط الاستواء، حيث تم الاكتشاف بواسطة بعثة علمية بأن خط الاستواء يمر على بعد حوالي 30 كيلو متراً من العاصمة، وهي النقطة الوحيدة في العالم المأهولة بالسكان، وفي هذه المنطقة قامت الحكومة الإكوادورية ببناء برج يتكون من أربعة أدوار يشتمل على متحف يحتوي على بعض المقتنيات القديمة الخاصة بالسكان الأصليين للمنطقة.

 كما قامت ببناء قرى صغيرة تمثل بعض العواصم العالمية مثل باريس ولندن وبرلين وغيرها، إضافة إلى بعض الفرق الموسيقية التي تؤدي الرقصات الفلكلورية المعبرة، وقد قضينا يوماً كاملاً في تلك المنطقة التي لا يوجد لها مثيل في العالم من حيث الموقع.

في مدينة "كيتو" التقيت بأحد الشباب الكويتي ويدعى "علي. ب" الذي بدأ بسرد قصته التي تعبر عن الألم والكفاح بقوله، أنهيت دراستي الجامعية في الولايات المتحدة الأميركية بتخصص هندسة إلكترونية وكمبيوتر، رجعت إلى الكويت وكنت أعتقد أن الجهات الحكومية والشركات الخاصة ستقوم بخطفي من المطار للعمل لديها، ولكن خاب أملي ولم يخطفني أحد، وتمت إضافة اسمي في لائحة طالبي العمل في ديوان الخدمة المدنية.

 توالت الشهور وبدأ الأمل يتلاشى وقبل أن يصل إلى نقطة الإحباط حمل أمتعته وجواز سفره وغادر بلده متجهاً إلى مدينة كيتو حيث تزوج من فتاة إكوادورية من أصول عربية، هاجرت عائلتها إلى تلك البلاد في الماضي، وأضاف الأخ علي أنه قام بشراء مزرعة صغيرة للدواجن، وفتح محلاً للإلكترونيات يعمل فيه مع زوجته التي رزق منها بمولودة، وتمنى أن يحصل لها على شهادة ميلاد كويتية.

كان هذا عام 1997، فيا ترى أين وصلت قائمة طالبي العمل من الشباب الكويتي في الوقت الذي توفر وظائف منوعة لأكثر من مليونين من الوافدين من كل التخصصات.

حفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

 وطن... الأزل

الآن يا وطني نما غرس الأزل

يدغدغ كل ما فينا

وأزهر اللبان وأثمر

وبات ملكاً لأيدينا

فدعنا نمتطي نجماً في رحاب الكون

نحلق دون مرسى ولا مينا

دع الأقمار ترقص جذلى

 على أنغام شادينا

لننسج من شذى الورد

 برداً بالعز يكسينا

فيغدو الماضي والحاضر والخلود

جزءاً من تلاقينا.