هذه الفكرة طرحها وتحدث عنها الأمير تركي الفيصل في اجتماعات المؤتمر الدولي الأول لمجلس العلاقات العربية-الدولية الذي انعقد في الكويت أخيراً، فهناك دولٌ عربية رئيسية ستتحول إلى "دول فاشلة" قريباً إذا لم يبادر العرب، الذين لديهم إمكانية للتدخل في مثل هذه الأمور ومعالجتها، إلى التعامل مع هذه المسألة بكل جدية، وهنا فإن المقصود ليس الدعم المالي فقط وإنما أيضاً المسارعة للاتفاق على حلول أمنية تضع حداً لكل هذه الانهيارات التي تشهدها هذه الدول المشار إليها.

Ad

إذا بقي العرب المقتدرون مالياً وسياسياً ينأون بأنفسهم عما يجري في سورية وفي مصر وفي العراق وفي تونس وفي ليبيا، فإن هذه المنطقة ستتحول إلى مسرحٍ كبير للفوضى وللعنف ولعدم الاستقرار، وهذه الفوضى لن تكون في أي حال من الأحوال تلك الفوضى التي وصفها جورج بوش الابن بـ"الخلاقة"، وحقيقة أنه لا يمكن أن تكون هناك فوضى خلاقة حتى بما في ذلك تلك التي في ذهن هذا الرئيس الأميركي السابق، وفي أذهان أفراد عصابة المتطرفين الذين كانوا يصنعون سياساته الحمقاء التي أدخلت الشرق الأوسط في هذه الأوضاع المأساوية، التي إنْ لم يتم وضع حدٍّ لها بسرعة فإنها ستأخذ هذه البلاد إلى كوارث محققة مرعبة.

هناك الآن انهيار اقتصادي في مصر، وهناك فوضى أمنية تضرب أطنابها، وهذا ينطبق وإنْ على نحو مختلف على تونس وعلى ليبيا وبالطبع على سورية، التي وصلت فيها الدماء إلى ما فوق العمائم واللحى وفقاً لخطبة الحجاج بن يوسف الثقفي في مسجد الكوفة، وهناك الآن في العراق استقطاب طائفي ومذهبي وعرقي مخيف بالفعل ترعاه إيران الخمينية ويدير دفته جنرال فيلق القدس قاسم سليماني، ثم هناك جمرٌ مُتَّقدٌ تحت رماد الحالة اللبنانية التي هي انعكاس لكل ما يجري وما يمكن أن يجري في هذه المنطقة.

ولهذا فإن أي تأخير للمعالجة الجادة، المالية والأمنية وربما أيضاً العسكرية، سيجعل ألسنة النيران تعم هذه المنطقة كلها، والمعروف أنَّ هناك من لم يكن يتوقع أن تصل ارتدادات الزلزال الأفغاني، الذي بدأ بانقلاب الجنرال داود على ابن عمه الملك محمد ظاهر شاه في نحو منتصف عقد سبعينيات القرن الماضي إلى الشرق الأوسط والمنطقة العربية وإلى العالم كله وفي مقدمته الولايات المتحدة الأميركية حيث كانت كارثة الحادي عشر من سبتمبر عام 2001.

وهنا فإن ما لا نقاش فيه ولا جدال حوله أنه لولا تدخل مجلس التعاون الخليجي العاجل والفاعل في الأزمة اليمنية وهي لاتزال في بداياتها لكان اليمن الآن قد شبع تشطيراً وانقسامات جهوية ومذهبية، ولكانت حاله أسوأ كثيراً من حاله بعد انهيار سدِّ مأرب، ولكان الخليج كله لا الدول المحادّة والمجاورة فقط يعيش أوضاعاً غير الأوضاع التي يعيشها في هذه الفترة التي من غير المؤكد استمرارها إذا بقيت كل هذه البراكين العربية متفجرة على هذا النحو.

"الشقيُّ من اتعظ بنفسه والسعيد من اتعظ بغيره"، ولعل ما غدا معروفاً أن المعالجات القاصرة والمترددة العربية وغير العربية للأزمة السورية، التي باتت تشكل زلزالاً هائلاً، هي المسؤولة عن وصول أعداد القتلى والجرحى والمفقودين إلى أرقام فلكية، وهي المسؤولة عن أن هذا البلد العربي الرئيسي الشقيق بات مهدداً بخطر الانقسام والتشظي وبات يحث الخطى فعلاً نحو حالة ستكون في أحسن الأحوال كالحالة الصومالية وكالحالة الأفغانية... فأين العرب... أين العرب؟!