كان العامان الأخيران في مصر طويلين عصيبين، فمنذ الخامس والعشرين من يناير عندما تدفق الملايين من الناس إلى الشوارع للاحتشاد ضد نظام مبارك، إلى إطاحة الجيش أخيراً بالرئيس محمد مرسي، شهدت البلاد السقوط من قمة النشوة والحبور إلى الانقسام والإحباط، وهو النمط الذي يبدو وكأنه أصبح السمة الحتمية المميزة للثورة، فهل كان التحول الديمقراطي في مصر محكوماً عليه بالفشل منذ البداية؟ رغم أن ثورة مصر كانت تالية لثورة تونس، فإن الإطاحة الناجحة بنظام مبارك هي التي كانت وراء ظهور تعبير "الربيع العربي"، ولكن على الرغم من تقدم البلاد ظاهرياً من دكتاتورية مبارك المدعومة عسكرياً إلى حكومة مرسي المنتخبة ديمقراطياً، فلم يتغير الكثير، بل إن الجيش يقمع الآن "ثورة شعبية" أخرى، وهذه المرة ثورة أنصار مرسي و"الإخوان المسلمين". ومع استعادة المؤسسة العسكرية في مصر لقبضتها على السلطة، فإن النهضة السياسية المرجوة في البلاد تبتعد تدريجياً عن المشهد. ورغم الإعلان عن خطط لوضع دستور جديد وإجراء انتخابات جديدة في الأشهر الستة المقبلة، فإن الانحراف الناتج عن الانقلاب- الذي انعكس في مقتل أكثر من خمسين من المتظاهرين وإلقاء القبض على المئات من مؤيدي "الإخوان" وقادتهم- يلقي بظلال من الشك على المستقبل الديمقراطي. وتزيد عوامل خارجية من تقويض آفاق الديمقراطية في مصر، وفي دول الربيع العربي التي نظرت إلى مصر كنموذج، ويثير القمع الوحشي للتمرد الشعبي في سورية من قِبَل حكومة الرئيس بشار الأسد البعثية الشكوك حول قدرة الدول العربية على الإفلات قريباً من إرث القيادة القمعية، بل على العكس من ذلك، ينذر تعميق الانقسام السُنّي الشيعي في السنوات الأخيرة في مختلف بلدان العالم الإسلامي بالمزيد من العنف. ولأن نتائج التحول في مصر ستخلف عواقب بعيدة المدى في المنطقة، فإن البلد يتعرض لضغوط من كل الجهات، فعلى سبيل المثال، دعمت المملكة العربية السعودية سيطرة المؤسسة العسكرية على السلطة، فمنحت مصر (جنباً إلى جنب مع الإمارات العربية المتحدة) ثمانية مليارات دولار في هيئة مساعدات فورية.

Ad

وقد أشاد المعلقون في المملكة العربية السعودية بالفريق أول عبدالفتاح السيسي القائد العام للقوات المسلحة المصرية، فكتب حسين شبكشي في صحيفة "الشرق الأوسط": "لقد أنعم الله على السيسي بحب المصريين له"، معلناً أن السيسي "جلب الشرعية الحقيقية إلى مصر... بعد فترة من العبث، والافتقار إلى الخبرة، والضيق". وتكهن آخرون بأن مصر كانت لتتحول إلى "كوريا الشمالية على النيل" لو استمر "الإخوان" في السلطة.

ويشير تدخل المملكة العربية السعودية في مصر إلى صدع جديد ربما ينشأ بين الدول العربية، بالتوازي مع الصدع الشيعي السُنّي، حيث جماعة "الإخوان" على جانب والممالك السنية والأنظمة العلمانية العسكرية على الجانب الآخر. وإذا كان الأمر كذلك، فإن آفاق الديمقراطية في مصر لم تأفل فحسب؛ بل ربما قضي عليها بالكامل في الأرجح.

وربما تفسر حالة عدم اليقين هذه جزئياً التردد في اتخاذ أي قرارات سياسية حاسمة مصر، فحتى الآن، رفضت الولايات المتحدة اعتبار الإطاحة بمرسي انقلاباً، وبالتالي تجنبت الالتزام القانوني المحلي بوقف المساعدات الاقتصادية والعسكرية في حين تدرس إدارة الرئيس باراك أوباما الخيارات المتاحة لها. وقد فسر جاي كارني، المتحدث الإعلامي باسم البيت الأبيض أن العلاقات الأميركية مع مصر "مرتبطة بشكل وثيق بالدعم الأميركي لتطلعات الشعب المصري للديمقراطية، ومستقبل اقتصادي وسياسي أفضل". والترجمة هي: أي قرار يتعلق بسياسة الولايات المتحدة في التعامل مع مصر سيكون مبنياً على أهداف السياسة الخارجية الأميركية، والكونغرس، وقوانين الولايات المتحدة. ولكن بالاستمرار في تقديم المساعدات لمصر وإهمال فرض أي مطالب ملموسة على القيادة العسكرية الجديدة في مصر، فإن الولايات المتحدة تكون قد قبلت الانقلاب ضمنياً، الأمر الذي جعل مصر تبدو وكأنها "جمهورية موز". ومثل هذه الصورة من غير الممكن أن تكون مفيدة في تعزيز استقرار وانفتاح مصر التي تريد لها الولايات المتحدة أن تكون حجر الزاوية للاستقرار الإقليمي.

ونظراً لهشاشة موقف الجيش المصري، وغموض سياسة الولايات المتحدة في مصر، فإن "الإخوان" ربما يختارون الآن الانتظار بصبر تحيناً للفرصة لاستعادة السيطرة على الحكم في مصر، ولكن التزامهم بمبادئ الديمقراطية قد يضعف إلى حد خطير، وإنني لأرجو ألا يعكس التصريح الأخير الذي ألقاه نائب رئيس الجناح السياسي لجماعة "الإخوان"- "هل تعرفون كم من الناس ماتوا في بناء الأهرامات؟ وكم منهم ماتوا في حفر قناة السويس؟"- استعداد جماعة "الإخوان" لقبول أكثر المستويات تطرفاً من التضحية من أجل تحقيق أهدافها.

إن المخاطر عالية بالنسبة إلى مصر، والواقع أن الشيخ أحمد الطيب، الإمام الأكبر للأزهر (المقر الرئيسي لتعليم السُنّة المسلمين من أنحاء العالم المختلفة)، حذر من حرب أهلية وشيكة، ويتوقف صدق توقعات الطيب على من ستكون له الكلمة الأخيرة في عملية تحول مصر: المؤسسة العسكرية، أو جماعة "الإخوان"، أو قوة سياسية مثل حزب النور السلفي، الذي فاز بربع الأصوات في الانتخابات الأخيرة وأيد الانقلاب العسكري ضد مرسي.

إن الديمقراطية هي أولى ضحايا سقوط مرسي، والسؤال الآن هو ما إذا كانت الانقسامات الاجتماعية التي أحدثها الانقلاب- في مصر والعالمي العربي- ستكون أعمق من أن يصبح في الإمكان إصلاحها باتباع أي مسار ديمقراطي في المستقبل المنظور؟

* جاسوانت سنغ، شغل مناصب وزير المالية والخارجية والدفاع في الهند سابقا، وهو مؤلف كتاب «جناح: الهند ــ التقسيم ــ الاستقلال»، وكتاب «الهند في خطر: أخطاء وأوهام ومصائب السياسة الأمنية».

«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»