تأرجحت قضية التدويل بين القبول والرفض، والمشروعية واللامشروعية مع بدايات تأسيس الأمم المتحدة. وجهة النظر المؤيدة لضرورة مناقشة انتهاكات حقوق الإنسان في المحافل الدولية، كانت تستند إلى أنه لا سلام بدون عدالة، ولا استقرار في العالم إلا باحترام كرامة الإنسان، وأنه لا يمكن للمنظمة الدولية الجديدة أن تنجح، إن لم تضع باعتبارها هذه المبادئ. كان من الصعب التصدي لهذه الرؤية، خاصة بعد المآسي الدامية التي تخللت الحرب العالمية الثانية، ولأن وجهة النظر الأخرى تعتمد فقط على سيادة الدولة. كان انعكاس ذلك واضحاً في ذكر كلمة حقوق الإنسان سبع مرات في الميثاق، حتى قبل تعريفها. وبعد ٣ سنوات أي في ١٩٤٨، وبعد أن تم تعريفها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كانت الديباجة واضحة لا لبس فيها: "لما كان الاعتراف بالكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة، هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم. ولما كان تناسي حقوق الإنسان، وازدراؤها، قد أفضيا إلى أعمال همجية آذت الضمير الإنساني، وكان غاية ما يرنو إليه عامة البشر انبثاق عالم يتمتع فيه الفرد بحرية القول والعقيدة ويتحرر من الفزع والفاقة. ولما كان من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان لكي لا يضطر المرء آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد والظلم... فإن الجمعية العامة تنادي بهذا الإعلان... على أنه المستوى المشترك الذي ينبغي أن تستهدفه كافة الشعوب والأمم، واضعين على الدوام هذا الإعلان نصب أعينهم، إلى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات" هكذا، كلام واضح لا لبس فيه. بالطبع الإعلان هو إعلان مبادئ ولا توجد فيه آليات إلزام، ولكن أهميته تكمن في المبادئ الجديدة التي أرساها حيث جعل حقوق الإنسان بعمومها قضية دولية تتجاوز حدود الدول، بل إنه ذهب الى أبعد من ذلك مبرراً تمرد البشر على الاستبداد والظلم. ولم يتوقف الأمر عند الإعلان، بل بدأت الاتفاقيات الملزمة والمستندة بالكامل إلى الإعلان كمرجعية باستقبال الموقعين والمصادقين، بل إنه ولقطع دابر الشك نهائياً فقد تم تأكيد تلك المبادئ في المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان المنعقد في فيينا عاصمة النمسا في يونيو ١٩٩٣.
وهكذا لا غبار حول مشروعية التدويل، ولكن كثيراً من الغبار يثار حول أدوات التدويل ذاتها كما سنرى.
أخر كلام
مشروعية التدويل
05-01-2013