مهرجان القرين الثقافي الذي يأتي من ضمن أنشطة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، بلغ عامه 19 في هذه السنة 2013، وهو يعد واحدا من أهم الأنشطة الثقافية في الوطن العربي، خاصة في هذا الوقت الذي انحسرت فيه أغلبية الأنشطة الثقافية بسبب ثورات الربيع العربي التي حملت حالة من التدهور والانحسار أو التقلص لمعظم المهرجانات والمؤتمرات والملتقيات الفنية والثقافية في كل دول الربيع العربي، مما زاد من أهمية الأنشطة المتبقية.

Ad

مهرجان القرين يُعد بحق من أفضل هذه المهرجانات التي تتكفل به الدولة بكامله من دون أن تحصد منه أي ريع أو أي مكسب سوى القيام بنشر وتبادل مختلف أنواع الثقافة والفنون مع دول العالم كله، الأمر الذي يُعد واجهة جميلة ومهمة سواء على الصعيد العالمي أو المحلي، حيث تُعد أيام المهرجان من أجمل وأهم أوقات المتعة والتسلية في الكويت خاصة أنه يُقام في موسم الشتاء، وأنا من الذين يحرصون على التواجد في الكويت خلال أنشطة المهرجان، التي عادة ما تتنوع ما بين الندوات الفكرية المختلفة وبين الأعمال الفنية المتنوعة من المعارض التشكيلية والعروض المسرحية والغنائية، مما يخلق نشاطا حيويا متعددا في ما يحمله للجمهور من بهجة لحياة راكدة.

المهرجان في كل عام يأتي بخلطة من فنون العالم المختلفة التي تقدم للجمهور إطلالة على ثقافات العالم وفنونه، وخلال تاريخ المهرجان الممتد عبر أعوامه الـ19 التي أحضر فيها مختلف الفرق الفنية المسرحية والاستعراضية بكافة فنونها الراقصة العربية منها والأجنبية، التي يتكفل المهرجان بكافة تكاليفها وتعرض بالمجان للحضور، هذا إلى جانب تكاليف إقامة الندوات والمهرجانات الشعرية وما يصطحبها من تكاليف الدعوات والمطبوعات الفاخرة وأمور أخرى كثيرة.

في مهرجان هذا العام الذي تعددت هوية أنشطته وتنوعت ما بين الحفلات الغنائية المحلية والعربية مثل فرقة ألكمنجاتي الفلسطينية، وفرقة منير بشير العراقية، والفرق الأجنبية مثل أوركسترا بيتر تشايكوفسكي الأوكرانية، وفرقة سليفان بارو للمعهد الفرنسي، وفرقة الجاز الأميركية، وفرقة الروك الفلكلورية الاسبانية، إلى جانب العرض السينمائي الألماني والكوري، وورش العمل وفعاليات الحرف التقليدية لإقليم آسيا والباسيفيك.

وكان العرض المسرحي لفرقة "كوكين نانتا" من أروع الأعمال الفنية التي شاهدتها والتي لم تعتمد على التكاليف العالية، وعلى حركة المجاميع الكبيرة، فقط بخمسة ممثلين قدموا عرضا موسيقيا راقصا تمثيليا فنيا ضاحكا اكروباتيا مشغولا بحيوية عالية وخفة طاقة جسد رهيبة عجيبة مشعة ومعدية، بحيث نثرت حيويتها السحرية المعدية على المشاهدين وحركتهم بشعلة نشاط غير عادي هيج الصالة كلها بمشاركة الفنانين بألعابهم الفنية.

لقد ضج المكان بخفة ظل ورشاقة حركة، عبأت المسرح وشغلته بكامله بفكرة عرض غير عادي، خلاقة وجديدة، أتت بفكرة عمل غير مطروقة من قبل، أصبحت فيه الخضراوات مثل الجزر والقرنبيط والبصل والقدور والسكاكين والمقالي من أبطال العرض، الذي برع في تقديم صورة بصرية مدهشة وإيقاعات موسيقية مختلفة، ليقوم طباخو المطبخ بإعداد طعام حفل زواج لم يكن من ضمن قائمة طبخ اليوم بمدة لا تتجاوز الساعة.

هذا العرض قُدم لأول مرة في أكتوبر 1997 وحقق أكبر نسبة مشاهدة في تاريخ المسرحي الكوري، دار العالم في 42 دولة وزار 273 مدينة التقى فيها بأكثر من مليوني مشاهد من الجمهور الأجنبي، وله مسرحه الخاص في "مسرح برودواي" وفاز بجائزة أفضل عرض عام 1999 في "أدنبرة فرنج فستيفال".

لذا بات مهرجان القرين من المهرجانات المهمة والمكتنزة بمختلف الثقافات وبتنوع حضاراتها وفنونها، وهو مهرجان ضخم غير ريعي تصرف عليه الدولة بكرم لتسعد من فيها، عبر تسهيل توصيل ونقل حضارة فنون ليس باستطاعة الجميع رؤيتها في موطنها، وإن كنت أتمنى أن تسارع الدولة الى إقامة مسرح ضخم يتيح فرصة لأكبر عدد من المشاهدين الذين لا تسعهم المسارح الصغيرة، فلا يتمكنون من حضور هذه العروض الجميلة التي تتحمل الدولة كافة مصاريفها، فعلى الأقل تكون هذه التكلفة قد تمتع بها أكبر عدد ممكن من الذين حرموا من مشاهدتها بسبب ضيق المسرح.

شكراً لدولتي الكويت ولمجلسها الوطني للثقافة والآداب والفنون.