مرافعة : دستورية الحكومة المنتخبة!
على الرغم من عدم وجود نص دستوري يلزم سمو الأمير باختيار رئيس وزراء شعبي إلا أن ذلك لا يعني أن يكون الدستور قد أقر بجواز تشكيل الحكومة من قبل النواب الذين يمثلون الأغلبية في البرلمان، وبالتالي فإن تنفيذ فكرة الحكومة المنتخبة كما تطرحها قوى المعارضة يستلزم برأيي تعديلا دستوريا يجيز وجودها، كما يستلزم أيضا إقرار قانون الأحزاب السياسية أو قانون لإيجاد القوائم السياسية التي تخوض الانتخابات حتى تتمكن تلك الاحزاب أو القوائم الفائزة بالانتخابات من تشكيل تلك الحكومة المنتخبة، وإزاء عدم وجود تلك التعديلات لا يمكن الحديث عن وجود حكومة منتخبة بل بالإمكان إيجاد رئيس وزراء شعبي فقط إزاء عدم وجود حظر دستوري بتعيينه بهذا المنصب.والسبب في عدم تمكن تنفيذ فكرة الحكومة المنتخبة اليوم على أرض الواقع بسبب أن الدستور نص على أن الأمير هو من يعين رئيس الوزراء بأمر أميري، وهو من يعين الوزراء بمراسيم أميرية وبالتالي فإن فكرة وجود الحكومة كما أرادها الدستور تكون بالتعيين وليس بالانتخاب وتغيير هذه الآلية بإلزام أن يكون أعضاء الحكومة ورئيسها من مجلس الأمة بقدر ما يمثلونه من أغلبية فيها يتطلب تعديلا دستوريا، كما أنه لا يمكن إلزام سمو الامير بتعيين الحكومة من النواب الذين يمثلون أغلبية في مجلس الامة لسببين: الأول أن المادة 50 من الدستور ترفض تدخل سلطة بصلاحيات واختصاصات سلطة أخرى وإلزام الأمير بتعيين نواب محددين بالمجلس يتعارض مع هذه المادة، كما أنه لا يمكن تحديد من هم الأغلبية في المجلس حتى يتمكن الأمير من تعيينهم أعضاء بالحكومة من دون قانون للأحزاب أو القوائم السياسية.
والأمر الآخر وهو أن قانون الانتخاب الحالي لا يقر فكرة القوائم السياسية أو الاحزاب السياسية التي لها الحق في خوض الانتخابات البرلمانية حتى تشكل الاغلبية داخل مجلس الأمة وتتمكن من بعدها تشكيل الحكومة المنتخبة، ومن ثم يتعين هنا تعديل قانون الانتخاب بتمكين خوض المرشحين بالقوائم السياسية أو الأحزاب، ومن دون إقرار أي منهما لن يمكن تحقيق الأغلبية التي تستطيع تشكيل الحكومة المنتخبة بها. بينما الحديث عن تعيين رئيس وزراء شعبي هو الآخر لن يغير شيئا في آلية التعيين للوزراء إذا ما تعاملنا مع آلية تشكيل الحكومة التي نص عليها الدستور، فلو افترضنا أن سمو الامير أصدر أمرا أميريا بتسمية رئيس وزراء شعبي على أن يقوم الاخير باختيار الوزراء وعرضهم على سمو الأمير للموافقة عليهم ويصدر مرسوما بتعيينهم، فلن يكون هناك دور للرئيس الشعبي سوى الاختيار فقط للوزراء، بل ان رئيس الوزراء الشعبي مقيد باختياراته للوزراء على أن يكون من بينهم وزراء من أبناء الاسرة الحاكمة بحسب ما نصت عليه المذكرة التفسيرية من الدستور والتي يعتقد غالبية خبراء الدستور وكذلك أحكام المحكمة الدستورية بإلزاميتها، ومن ثم سيكون رئيس الوزراء وإن كان شعبيا ملزما بتعيين عدد من من الوزراء من أبناء الاسرة الحاكمة، اضافة الى أن ذلك التشكيل خاضع أيضا لموافقة سمو الأمير الذي يعتبره الدستور رئيسا للسلطة التنفيذية، وبالتالي فإن الحديث عن رئيس وزراء شعبي ليس إلا تغييرا جديدا لعرف دام أكثر من 50 عاما بأن يكون منصب رئيس الحكومة مقتصرا على أحد أبناء الاسرة الحاكمة.الحل برأيي وبعيدا عن فكرة الحكومة المنتخبة لتحقيق تطور ملحوظ للحالة الديموقراطية في الكويت هو بتعديل النظام الانتخابي عن طريق إقرار فكرة القوائم السياسية فضلا عن إقرار قانون الاحزاب السياسية اضافة الى إيجاد قانون جديد للانتخاب يتضمن اساليب جديدة لعملية الانتخاب والتشدد في شروط الترشح لانتخابات مجلس الامة فيما يخص صلاحية المتقدم للعضوية، بينما الحديث عن وجود الحكومة المنتخبة هو أمر مستقبلي تقرره المجالس المقبلة بعد موافقة سمو الامير لكونه يستلزم تعديلا دستوريا.