متى تتعادل تونس مع مصر؟

نشر في 07-07-2013 | 00:01
آخر تحديث 07-07-2013 | 00:01
 ياسر عبد العزيز لم يحدث أبداً أن تلقيت في يوم واحد هذا العدد من الاتصالات ورسائل التهنئة. زملاء ومعارف لم ألتق أياً منهم من سنوات، وآخرون كدت أنسى أسماءهم، فضلاً عن أصدقاء حميمين من بلدان عديدة، كلهم اتصلوا ليباركوا، أو أرسلوا الرسائل المتفائلة فرحين بإزاحة "الإخوان" من حكم مصر.

لم أكن أعرف أن المسألة توجع عرباً كثيرين على هذا النحو. يبدو أن قطاعات كبيرة بين الشعوب العربية كانت تشعر بالأسى والإحباط لأن "الإخوان" يحكمون في مصر، ويبدو أيضاً أن مواطنين عرباً كثيرين كانوا يشعرون بالخوف من احتمال أن "يُستنسخ" مرسي في بلادهم.

من بين الرسائل التي وردتني رسالة من إعلامية تونسية بارزة تقول: "يعيشك... مبرووووووك... إذن النتيجة أصبحت مصر (2)- تونس (1)".

تقصد تلك الزميلة أن تونس أحرزت الهدف الأول في مباراة الربيع العربي، ثم تعادلت مصر بعدها، قبل أن تسجل الهدف الثاني في مرمى "الشتاء الأصولي"، الذي ما زالت تونس تقاسي لسعاته وصفير رياحه.

كان ردي عليها: "إن شاء الله تتعادل تونس قريباً". ردت بكلمة واحدة: "يا رب".

لم يكن ما حدث في مصر في 30 يونيو الماضي ثورة جديدة ضد "الإخوان"، لكنه كان الموجة الثانية من ثورة 25 يناير 2011 التي أطاحت حكم مبارك. ولم يكن ما حدث يوم 3 يوليو الجاري انقلاباً عسكرياً على الرئيس المنتخب ديمقراطياً محمد مرسي، بل كان انتفاضة شعبية عارمة، ضد حكم فاسد وعاجز وفاشل ومستبد، وقد دعت تلك الانتفاضة الجيش ليساندها، فلبى الدعوة كعادته، ونفذ الإرادة الشعبية، وأزاح الرئيس، وعصف بنظامه الهش، وأرسى نظاماً مؤقتاً، وأقر خريطة طريق طموحة وواقعية، وذهب ليسهر على تفعيلها، بموازاة حفظ أمن البلاد، ومواجهة نزق الجماعة الخاسرة وكيدها وأحقادها.

لقد حدث التغيير في تونس قبل مصر، وامتد إلى ليبيا واليمن، وما زال يحاول في سورية، في وقت ظل القاسم المشترك الأعظم فيه أن الإسلاميين تصدروا مشهده، وهيمنوا على الحكم، أو باتوا الأقدر على التأثير فيه والأكثر حظوظاً في توجيهه والتمتع بصلاحياته.

ولأن التغيير بدأ في تونس، وأتى بإسلامييها إلى الحكم، قبل أن ينتقل إلى مصر ويفعل الشيء نفسه، فلا يوجد ما يمنع أبداً من حصول العكس... أي أن تنتقل الموجة الثانية من الثورة المصرية إلى تونس، فيثور الشعب الغاضب المأزوم والذي يعاني تحت حكم "حركة النهضة"، وينضم إليه الجيش وعدد من الأجهزة والمؤسسات، ليطيح حكم الحركة كما حصل في مصر تماماً.

وربما يمتد "الإلهام" نفسه إلى ليبيا مثلاً، فيقلص حظوظ الإسلاميين في الهيمنة على المشهد، ويذهب إلى اليمن فيحول دون استفحال نفوذ "التجمع اليمني للإصلاح" هناك، قبل أن يحد من النزعة الجهادية الإسلاموية في المعارضة السورية لمصلحة الفصائل الوطنية.

ليس هذا فقط، فلا شك أن ما جرى في مصر يمكن أن يؤثر بوضوح في حظوظ "حماس" في غزة، وأن يضعف شوكتها في نزاعها المرير مع السلطة الفلسطينية، بل وأن يغري بها في أي منازلة فلسطينية- فلسطينية على النفوذ والسلطة.

سيحدث هذا، بشكل أقل حدة، مع "جبهة العمل" في الأردن، وسيجد "إخوان الكويت" مثلاً أنهم فقدوا شيئاً من الإلهام والمساندة المعنوية، وهو ما سيسري على نظرائهم في دول الخليج العربية كافة.

سيمكننا القول الآن إن الهزيمة المريرة لمشروع "إخوان مصر" قد تنعكس هزائم ومرارات على "إخوان العالم العربي"؛ وهو أمر لم يحدث مثلاً عندما كانت الجماعة في بلد الكنانة مضطهدة ومحاصرة ومنبوذة ومسجونة وبلا حول أو سلطان.

فلماذا كانت الهزيمة قاصمة تلك المرة؟ ولماذا قد ينتقل أثرها ليضرب "الإخوان" الآخرين؟

كانت هزيمة "الإخوان" تلك المرة شديدة المرارة لأنهم ببساطة كانوا في سدة السلطة بلا منازعة أو مشاكسة؛ إذ تجمعت في يد مرسي سلطات لم يكن حسني مبارك يحلم بها.

لقد امتلك الرئيس المعزول السلطة التنفيذية، والسلطة التشريعية، وسلطة إصدار الإعلانات الدستورية، كما عبث بلا حسيب أو رقيب بسلطة القضاء، في ما كانت ميليشيات جماعته تعربد في الشوارع فارضة موازين قوى غير رسمية بموازاة الهيمنة على السلطات العامة.

ورغم ذلك، فإنه عندما كانت السنة الأولى من ولاية مرسي على مشارف الانتهاء، كانت معدلات الفقر تتزايد، ونسب البطالة تتصاعد، ومحطات الوقود خاوية، والجنيه المصري يتراجع أمام العملات الأجنبية، والاحتياطي النقدي يوشك على النفاد، والديون الداخلية والخارجية تتفاقم، وسد النهضة الأثيوبي يهدد حياة المصريين وأمنهم المائي، والأمن ينفلت في ربوع الوطن، وسلطة الدولة تتداعى في سيناء، ومؤسساتها تكاد تهوي وتتفكك، وبعض المهووسين المتعصبين يقتلون مواطنين على الهوية الدينية ويسحلونهم في الشوارع، وعلاقات مصر الخارجية تتردى، ومكانتها الإقليمية تسوخ في التراب، وعوامل الفرقة والتعصب الديني تستفحل، ونذر العنف تتصاعد، والأمل يضيع، والأفق ينسد.

ظلت "الجماعة" تعد الجمهور المشدوه بـ"المشروع النهضوي"، الذي "يحمل الخير لمصر"، مؤكدة أنها قادرة على تحقيق ما عجز عنه الآخرون، ومتكئة إلى أيقونة واحدة عنوانها "الإسلام هو الحل"، دون أن تحاول ولو مرة واحدة أن تُفصّل للناس كيف ستستطيع أن تختصر الإسلام، بكل عظمته واتساعه، ليصبح مجرد حل لمشكلات الخبز والوقود والسكن والبطالة.

وصلت "الجماعة" إلى الحكم، لكنها فعلت أي شيء باستثناء جلب الخير لمصر، بل أخذت البلاد إلى خسائر استراتيجية نادرة، وعرت الأمن القومي، وعرضت مصلحة الدولة لأفدح المخاطر.

لم تطح "الجماعة" بانقلاب عسكري كما تأمل أن يقول الناس، بل أُطيحت بانتفاضة شعبية عقاباً لها على التردي والخطل؛ لذلك فقد باتت صورتها ملطخة، وسمعتها ملوثة، ومظلوميتها فارغة، ووعودها بلا قيمة، ومستقبلها السياسي في مهب الريح.

ستساعد تلك النهاية المأساوية شعوب المنطقة على اتخاذ القرارت الأصوب في حق الإسلاميين الذين يراوغون ويقدمون الوعود الكاذبة ليحكموا، وستضع قيداً على فرصهم في التمثيل السياسي، وربما ستعزز فرص اندلاع انتفاضات شعبية للإطاحة بهم.

خسارة "إخوان" مصر العملية والأخلاقية، ومحاولتهم الراهنة لتفجير حرب أهلية وصراع طائفي وزعزعة الجيش الوطني وقتل مواطنيهم لاستعادة سلطة خسروها لفشلهم وعجزهم، ستؤدي إلى نبذهم عربياً، وقد تطيح من يحكم منهم من مقعده، أو تحول دون أن يصل آخرون منهم إلى مقاعد الحكم.

سيكون هذا كافياً لتفسير رد فعل "نهضة تونس" السلبي، وأردوغان تركيا الحاد، و"حماس" غزة العصبي، وبشار سورية المتشفي، والسعودية والإمارات المرحب، وسيكون كافياً أيضاً لتوقع سلوك "إخواني" حاد وتخريبي في مواجهة الدولة المصرية والثوار؛ وهو أمر سيعزز من أزمة "الجماعة" وسيعجل باندحارها وتفتتها.

* كاتب مصري

back to top