في كتابه {الأصوات اللغوية... في كتاب المستوفى في النحو للفرغاني}، يبين خميس عبد الله التميمي أن كتاب {المستوفي في النحو} للفرغاني ترك أثراً واضحاً في كتب من تلاه من المتأخرين والمحدثين. يتكون من مجموعة فصول، خصصت عشرة منها لدراسة الصرف والصوت، ولم يجعلها ضمن فصول النحو، بل عدّها من الأبواب المفرعة عن التأليف في النحو والمناسبة له والمتعلقة به، وأبواب الصوت التي سماها فصولاً هي: الإشمام، الروم والاختلاس، تخفيف الهمزة، الإدغام، التقاء الساكنين والوقف. في منهجه يتابع الفرغاني منهج سيبويه الذي صار منهجاً لأغلب النحاة في ما بعد، لا سيما في دراسة الظواهر الصوتية، ومنها دراسته لظاهرة الإدغام التي كانت مفتاحاً للدراسة الصوتية، وهو ما سار عليه الفرغاني وأكده في مقدمة حديثه عن ظاهرة الإدغام.

Ad

حرصت الدراسة على بيان الجهود الصوتية للفرغاني التي لم تر النور، ولم تأخذ حقها من الدراسة في ضوء ما توصَّل إليه الدرس الصوتي الحديث في معرفة آرائه في حقيقة الصوت وطريقة تكونه في الحياة عموماً، وفي جهاز نطق الإنسان خصوصاً، ومخارج الحروف والظواهر الصوتية المختلفة ومدى موافقتها ومخالفتها للدراسات الصوتية قديماً وحديثاً، وبيان ما سُبق به الفرغاني وما سبق هو إليه، لتتضح مواضع الأصالة والتفرد في جهوده في دراسة الأصوات.

أقسام الكتاب

قسّم التميمي كتابه إلى تمهيد وأربعة أقسام، خصص التمهيد للتعريف بالفرغاني بنبذة موجزة عن حياته وسبب تأليفه الكتاب وأسلوبه ومنهجه في الدراسة الصوتية وأهم المصادر التي اعتمدها وطريقته في النقل عنها. في القسم الأول تتناول الدراسة المصطلح الصوتي عند الفرغاني، وجاء في أربعة فصول، أولها: اختص بدراسة مصطلحات جهاز النطق، وثانيها: بمصطلحات صفات الأصوات، وثالثها: بمصطلحات الائتلاف والتجاور، ورابعها: بدراسة مصطلحات أخرى لا تنتمي لأي من المباحث السابقة.

أما القسم الثاني فدرس فيه التميمي مخارج الأصوات وصفاتها، وجعله في أربعة فصول معتمداً في ذلك على دراسة الفرغاني نفسها، فقد بدأ حديثه عن المخارج بمقدمة عن عملية إنتاج الصوت فجعلها في الفصل الخامس، ثم انتقل إلى وصف أعضاء جهاز النطق وكانت هي الفصل السادس، وتناول بعدها مخارج الأصوات بالتوضيح والتفصيل فجعلها في الفصل السابع، وانتقل إلى صفات الأصوات في الفصل الثامن.

وفي القسم الثالث تناول المؤلف الظواهر الصوتية الخاصة بالصوامت التي وردت في كتاب المستوفى ورتبها في أربعة فصول وفق الترتيب الهجائي، فكان أولها: الإدغام، ثم التقاء الساكنين، ثم تخفيف الهمزة، وآخرها الوقف. بينما خصص القسم الرابع لدراسة الظواهر الصوتية الخاصة بالصوائت، وجاءت في ثلاثة فصول، أولها: الإشمام والروم والاختلاس، وثانيها: الإمالة، وثالثها: المد.

استنتاجات

من أهم النتائج التي يخلص إليها خميس التميمي بعد البحث: أن منهج الفرغاني وصفي قائم على الملاحظات الواقعية، إذ يعتمد على التجربة الذاتية في كثير من أحكام وصفه لمخارج الأصوات وصفاتها، وأنه يعتمد الحوار المفصل وأسلوب الخطاب المباشر مع الدقة والتفصيل في طرح المادة الصوتية. كذلك يتبين للكاتب أن كتاب الفرغاني ضم علوماً شتى منها ما صرح الفرغاني بوجودها، ومنها ما يستنبط من خلال ثقافته وعلمه. إضافة إلى ذلك، تناول الفرغاني المصطلحات الصوتية كافة التي سبقته وتنوعت فشملت أعضاء النطق العامة والخاصة، ومخارج الأصوات وصفاتها، ومصطلحات التعامل الصوتي في الصوامت والصوائت.

ومن بعض النتائج أيضاً، تفرد الفرغاني ببعض المصطلحات التي لم ترد عند غيره بالمفهوم الذي أراده هو، وهي المبدأ والمنهى، وما دون اللهاة، والاكتناز، والركود والسياحة، والسكوت الساكت، والسكوت المصوت والقبوة الشفوية.

كذلك فرّق الفرغاني بين الحرف والصوت، فالصوت شيء مطلق تحدده الأحوال ليصير حرفاً، أما الحرف فيتكوّن من حال الصوت الناتجة من تموّج الهواء ومروره بأعضاء النطق. إلى ذلك التزام الفرغاني تسميات القدامى لأعضاء النطق موافقاً ما جاء به المحدثون، وتفرد بتسمية منطقة الحلق (ما دون اللهاة). واقتفى الفرغاني أثر سيبويه والمبرد وابن جني في تقسيم الأصوات إلى أصلية وفرعية، وكانت لديه خمسة وثلاثون صوتاً، تسعة وعشرون منها أصلية، وست فرعية، إلا أنه خالفهم في ترتيبه لهم، فقد فصل الألف عن الهمزة والياء، وجعلها في آخر الأصوات العربية موافقاً بذلك الخليل الذي جعلها هوائية ومن آخر المخارج.

وقد اختلف الفرغاني مع سيبويه في عدد مخارج أصوات العربية فكانت عنده سبعة عشر، وسبب الخلاف يعود إلى أنه قد جعل للمصوتات مخرجاً منفرداً في آخر المخارج. كذلك جمع في وصفه مخارج الأصوات بين ترتيب سيبويه وشروح ابن سينا وعباراته، كالرطوبة واليبوسة وحفظ الهواء وضغطه والقرع والقلع والتفقع والتفقؤ، وقد وافق وصفه ما جاء لدى القدامى والمحدثين واقتصر الخلاف بينهم على اختلاف في التسمية فحسب. كذلك تفرد الفرغاني بوضع النون الخفية بعد النون الأصلية مباشرة، مخالفاً بذلك القدامى الذين جعلوها في آخر المخارج.

طريقة سيبويه

حسب التميمي فإن الفرغاني قسم الأصوات وفق صفتها الذاتية على تسربية وحبسية وهي تقترب في مفهومها مما يسمى بالرخوة والشديدة، ألا أنها تختلف عنها في عدد الأصوات وفي الأساس الذي اعتمد في هذا التقسيم، فقد اعتمد سيبويه فكرة جريان الصوت في تقسيمه الأصوات على رخوة وشديدة، في حين اعتمد الفرغاني فكرة زمن الصوت عند تقسيم الأصوات على تسربية وحبسية، فقد جعل للحرف زمناً يكون في التسربية أطول مما هو في الحبسية.

 ويتبين للمؤلف أيضاً في هذه الدراسة، أن الفرغاني اعتمد طريقة سيبويه في التمييز بين المجهور والمهموس بالاستمرار في دفع الهواء من الرئتين ومحاولة النطق بالصوت على نحو خافت، وهو أمر يتحقق مع المهموس لا مع المجهور، ومرجع ذلك يعود إلى قوة الاعتماد في موضع الصوت أو ضعفه، لأن ضعف اعتماد الناطق يؤدي إلى ارتخاء الأعضاء المكونة للصوت بما يسمح بجريان النفس، ينتج منه صوت ضعيف خال من ذبذبة الوترين الصوتيين.