من الكتب التي عثرت عليها في معرض الكتاب الأخير رواية «أنا أموت»، وهي من موجة النتاج الشبابي، الكتاب بقي ساكناً في الأدراج ولم ألتفت إليه لأن المؤلف شاب كويتي اسمه محمود شاكر، وتعمدت تصفحه أخيرا لأعرف هل هناك شيء به يستحق أن أقضي بعض الوقت لمتابعة السطور والحروف، حتماً كانت الرواية مفاجأة لي رغم أن هناك سلبيات تمثل للقارئ صدمة أو حتى تدفعه إلى أن يتوقف عن ممارسة اللهث خلف السطور، ولكن حتما هناك ضوء وهناك رواية وهناك قضايا احتاج الكاتب إلى أن يملك الجرأة ويقدمها عبر فصول الرواية الأربعة.

Ad

غلاف برازيلي

غلاف الرواية أو حتى عنوانها يمثل صدمة لك، فكلمة «موت» منفرة للقارئ، والغلاف  يستحق أن تتأمل فيه، وهي لرجل ملتح بثلاثة رؤوس، قد يكون هذا له ملامح من مضمون الرواية، ولوحة الغلاف بريشة الفنان التشكيلي البرازيلي نستور جينيور، وحتما هذا يثير الاستغراب كاتب كويتي ولوحة غلاف بريشة برازيلي، قد يكون هذا  ثمنا إيجابيا للعولمة، إذ بإمكان الشباب التواصل مع آخرين في الخارج واستخدام نتاجهم بدون التقائهم، فبإمكانك شراء لوحة غلاف عبر النت، وعدد صفحات الكتاب يقارب 260 صفحة.

الإصدار طبعة 2013، ودوّن المؤلف محمود شاكر في المقدمة كلمات جميلة كتبت باللغة الانكليزية وهي قول للفنان شارلي شابلن تقول: «أنا أحب دائما المشي تحت المطر حتى لا يلاحظ أحد أنني أبكي»، كلمات معبرة قد تمثل ملامح من الرواية حيث الرغبة في الكتابة لكشف انطباعات مكبوتة لأبطال العمل.

هل تنطبق على هذه الرواية شروط متعارف عليها من حيث السرد وإدارة الحوار وأن يكون هناك مضمون؟... أعتقد ذلك ولكن قد يكون تعامل الكاتب مع الخط المهني لصياغة الجمل وصفّ الكلمات غير سليم بتاتا، وهو يكاد يقتل العمل، فالكاتب جعل القارئ يلهث أثناء القراءة، فقد حول فقرة  واحدة إلى اسطر عديدة فكل كلمتين سطر، وهذا تصرف غير مقبول ولم نعهده من قبل، السؤال هل تعمد الكاتب هذا الفعل لزيادة عدد الصفحات؟  قد يكون هذا احتمالا، ولكن بالنهاية تصرف مرفوض، إذ يفترض أن يكون عدد صفحات الرواية 100 صفحة تقريبا، ولكن بهذا الفعل جعلها تقترب من 300 صفحة، وانتهج الكاتب هذا النهج الغريب  الذي كاد يطيح العمل رغم انه لا يلغي مضمونه.

تحتوي الرواية على أربعة فصول، وعلى ما يبدو فهي ترتبط بالموضوع، ولكن بخيط رفيع قد لا يلمسه القارئ، وتحمل الفصول جرأة غير معهودة في التطرق إلى مواضيع مسكوت عنها في مجتمعاتنا المحافظة، وقد تثير الاشمئزاز ولكن بدون إباحية في رسم الجمل.

الغربة في الداخل  

الفصل الأول في الرواية بعنوان «حبيبتي لا تموت»، وهي تمثل الغربة داخل المجتمع، حيث يشعر بطلها جاسم انه غريب داخل وطنه، أو أنه مرفوض، لهذا نراه يعيش ويتقوقع داخل مجتمع صغير جدا، وحبيبته هي أمه التي هي عالمه الأول والأخير، وهنا عالمه الخاص هو والدته وصديقاتها ومرسمه، ولا نرى أثرا لأب أو رجل بالمنزل، جاسم الشاب الخارج عن المألوف في محيط الأسرة  يهوى الفن التشكيلي، ومتعلق بمرسمه بالمنزل حيث صومعته الأخيرة للعزلة.

هناك رفض بين لبطل الرواية للذين يحاربونه بشدة من الأهل، الذين يرفضون رسوماته الغريبة، بل يهجرونه وفي حرب شرسة معه، وعبر سطور الحوار نرى ذلك عندما تعاتبه والدته وتقول له: «إن خاله محمد يصرخ عبر الهاتف ويقول أن ابنك جاسم سيقبع بجهنم بسبب رسوماته»، وهنا يرد عليها بالجملة التالية: «أمي... إخوتك للأسف كلما أطالوا لحاهم باتت عقولهم كعقول الأطفال... لا لا تسمعي... ولا تعطي خالي الفرصة لكي يعكر مزاجك اليوم».

   ونرى في ذلك الحوار إشكالية رفضه للجماعات الدينية التي تنتشر في المجتمع وتحارب إبداعه، هو يلقى التحريم منها، وتحاول تلك التيارات أن تلقيه من مجتمعه، رغم انه يحمل ريشة ألوان وليس حزام تفجير ناسفا.

حالة نفسية يعيشها جاسم عندما ينزوي، ويبدأ الرسم ويعشق والدته التي يحبها حب الجنون وتبدو حياته متعلقة بها، ويعتبرها جنته المعلقة، ولكن من جانب آخر نرى ازدواجية فكر في رسوماته التي تمثل كرهه للمرأة، وكرهه لمريم التي تحاول الدخول إلى حياته بقوة. استغربت مريم وهي تتجول في معرضه أن يرسم لوحة لفتاة بجسد أفعى في معرضه الأخير، ومع محاولة مريم الدخول لحياته فإنه يشعر بالرهبة من ذلك، بل بالرفض الصريح لها مع أن مريم تحاول الدخول عنوة، ويستهجن أن تفتتح معرضه شخصية من المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب لا علاقة لها بالفن.

جاسم يعيش الغربة داخل مجتمعه، بل يسكن في مرسمه ويرفض الخروج فترة ويسجل امتعاضه من مجتمعه ومن البشر في استعجالهم بإنهاء أمورهم وتهورهم في الحديث مع الآخرين وسرعة قيادتهم للسيارات و و. المؤلف اخذ يسرد هذا الفصل من الرواية حتى يصل البطل إلى مرحلة حزن شديد حيث يدور حوار بينه وبين مريم يحدد نهاية فصل من حياته إثر ما حدث لحبيبته الأولى والوحيدة والدته.

المسكوت عنه

الفصل الثاني من الرواية يتعرض لقضية شائكة يرفضها الجميع لأنها حالة مرضية تظهر في كل المجتمعات من الأزل إلا أن الجميع يرفض أن يتعرض لها لأنها لا تتوافق مع طبيعة البشر وقد تكون حالات مرضية.

الكاتب يتعرض لقضية المثلية الجنسية أو العشق المحرم، ولكن بأسلوب بعيد عن المفهوم الحسي أو الإباحي، كيف وجد الكاتب الجرأة أن يكتب ذلك، لا أعرف ولكن قد تكون الأجيال الجديدة من الكتاب لديها الجرأة في الطرح نتيجة للانفتاح على العالم، قد يكون كذلك، ولكن فحوى مضمون السرد يربطها الكاتب بالعزل الجنسي بين الذكور والإناث في مجتمعاتنا العربية المحافظة، ولا أعرف كيف ربط بطل القصة بأن يكون بطل القصة حامد عضواً في تجمع ديني... أو صحبة صالحة!

يقودك الكاتب إلى نهايات لبطل القصة الذي يعيش معاناته النفسية وإشكالية انبهار الأهل بتحولات الابن حامد ولا يجدون تفسيرا لذلك، ويكتشفون ازدواجية في شخصيته.

فرحة عذراء

دون  القاص محمود شاكر في غلاف الكتاب الأخير لروايته الكلمة التالية «بعد إصدار عملي الأول (شمة في مهمة) وجدت بقلبي فرحة عذراء خلقت بين رغبة لأتحدى نفسي وأقدم شيئا جديداً مختلفا ومبتكرا، أقدم رواية (أنا أموت) وهو إصداري الثاني الذي أقدم من خلاله الأبطال جاسم وحامد وأحمد وصالح، أستعرض لمحات من حياة كل منهم، خلف وأمام الأقنعة!!».

هكذا كلمة الكاتب للقارئ مباشرة، ولكن نترك للقارئ وللناقد الحكم على هذا الإصدار إن وقع الكتاب بين أيديهم، وما قدمناه هنا هو عرض وضوء يحدد سلبيات وايجابيات العمل وليس طرح ناقد أكاديمي.

غزو شبابي

ظاهرة جديدة بدأت في الكويت في السنوات الأخيرة، وهي غزو شبابي كويتي للانخراط في الكتابة، إذ نرى عشرات الكتب في مجال الرواية والقصة وحتى الخواطر أو الشعر على أرفف دور النشر في معرض الكتاب السنوي، كم هائل يعجز المتلقي عن متابعته أو حتى الحكم عليه أدبيا أو فنيا، البعض يستهجن ما يحدث، وأن ما يكتب قد لا يرقى إلى الطموح، البعض الآخر يرحب... ففي الكم الهائل من النتاج الشبابي قد تبرز أسماء تساهم في خلق جيل من الأدباء الشباب الذين يمثلون مرحلة جديدة حتى لو استهجنها البعض.

السؤال المطروح لماذا هذا التوجه من الشباب الكويتيين نحو الكتابة، البعض يرجع هذا إلى الانفتاح على العالم عبر «فيسبوك» و»تويتر» وغيرها من وسائل اتصال اجتماعي، والتي كانت منفذا  للشباب لترويج وتسويق أعمالهم الكتابية ولا حاجة للإعلان عبر الصحف أو انتظار رحمة صحيفة أو ناقد يشير للإصدار هذا أو ذاك، وآخرون يرون أن رابطة الأدباء قبل عقد من الزمن أطلقت شرارة لدعم الشباب عندما بدأت باستقطابهم... قد يكون ذلك، لكن عندما تشاهد الازدحام الهائل أمام دار نشر شبابية كويتية وعدد الإصدارات أثناء معرض الكتاب وحفلات التوقيع، تقول حتما هي ظاهرة تحتاج إلى تفسير ودراسة.