بعد ثورة مصر عام 2011، حرصت الولايات المتحدة على أن تبرهن لقادة مصر الجدد قيمة حكم القانون؛ لذلك شعرت بالاستياء عندما تجاهلته إدارة باراك أوباما منذ الإطاحة بالرئيس محمد مرسي المنتخب في الثالث من يوليو.

Ad

لا شك أن استيلاء الجيش على السلطة يُعتبر انقلاباً، ورغم ذلك، ادعت الولايات المتحدة العكس كي تلتفّ على القانون الذي يفرض تعليق المساعدات الأميركية لأي بلد يمر بظروف مماثلة. تقلق الإدارة الأميركية، حسبما يُفترض، من أن يهدد تعليق المساعدات السنوية البالغة 1.55 مليار دولار (يذهب 1.3 مليار دولار منها إلى الجيش) السلام بين مصر وإسرائيل، فضلاً عن استقرار مصر، وإن صح ذلك، فمن الضروري أن تحدّث الإدارة مقاربتها إلى مصر.

شكّلت رزمة المساعدات الأميركية لمصر في البداية مكافأة لعقدها السلام مع إسرائيل عام 1979، لكن هذا المنطق ما عاد قائماً اليوم: بات خطر مهاجمة مصر إسرائيل مستبعداً، خصوصاً أن قدرات جيشها أدنى بكثير من قوة الجيش الإسرائيلي، علاوة على ذلك، تُعتبر المساعدة الأميركية غير ذات أهمية مقارنة بالمليارات الكثيرة التي تحصل عليها مصر من دول الخليج العربي الغنية بالنفط.

لربما تخشى إدارة أوباما أن يضعف تعليق المساعدات العلاقة بين الجيشين المصري والأميركي. قد يكون هذا التفكير صحيحاً، ولكن إن لم تكن العلاقة بينهما قوية وعميقة كفاية لمنع المسؤولين العسكريين المصريين من الإطاحة برئيس منتخب، فقد لا تُعتبر هذه العلاقة قيمة إلى هذا الحد في المقام الأول.

في مطلق الأحوال، لا داعي أن يدوم تعليق المساعدات الأميركية طويلاً، فتستطيع الإدارة أن تعمل مع الكونغرس على التلويح قانونياً بالعقوبات، وثمة سابقة لأمر مماثل: بعد اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، فاز الرئيس جورج بوش الابن بموافقة الكونغرس على استئناف مساعدة باكستان، التي كانت قد عُلّقت بعد انقلاب عام 1999 الذي نفذه الجنرال برويز مشرف.

إن كانت الإدارة الأميركية ستلجأ إلى الكونغرس، يمكنها أن تستخدم هذه الخطوة كوسيلة للتأثير في مصر. على سبيل المثال، ما زال الجيش يعتقل مرسي، ولكن يجب إطلاق سراحه، وعلى الجيش المصري أن يكفّ عن توقيف قادة جماعة "الإخوان المسلمين" واختلاق التهم ضدهم، تماماً كما فعل خلال عهد الرئيس السابق حسني مبارك، كذلك يجب ربط استئناف المساعدات بتنظيم انتخابات حرة ونزيهة.

لا شك أن هذه الخطوة ستبدو أقرب إلى المهزلة لأنها مستبعدة، فسيرفض الكونغرس على الأرجح طلب الإدارة، خصوصاً أن عدداً قليلاً من أعضائه دعا حتى اليوم إلى تعليق المساعدات المصرية. لكن هذه الخطوة ستحمل على الأقل مظاهر العملية السياسية، بدل التشكيك في تمسك الولايات المتحدة بمبدأ أساسي مثل حكم القانون.

لو أن المسؤولين الأميركيين فكّروا في هذه المسألة ملياً قبل الانقلاب في مصر لكانت الأوضاع اليوم أفضل حالاً، فقد خُطط للتظاهرات التي سبقت الانقلاب قبل أسابيع، وكثرت التوقعات بشأن سيطرة الجيش على السلطة، كذلك أعطى الجنرالات مرسي والعالم مهلة 48 ساعة قبل أن يتحركوا. إذن، تسنى لصانعي السياسات الخارجية الأميركيين الوقت الكافي لصوغ ردّهم، لكنهم بدلاً من ذلك بدوا في وضع أسوأ مما لو أنهم لم يستعدوا مطلقاً، فقد ظهروا بمظهر المنافق الخبيث.

كلما أسرعنا في تصحيح هذا الخطأ، تحسن الوضع، ولا بد من إصلاحه قبل أن تبدأ الولايات المتحدة والقوى العالمية جولة جديدة من المفاوضات مع إيران ورئيسها الجديد بشأن برنامجها النووي. ففي العالم الجيو-سياسي، تُعتبر المصداقية عملة تضاهي المال والسلاح أهمية، ولا شك أن الولايات المتحدة تحتاج إلى دعم كبير في هذا المجال.