ستفتقد قمة الدوحة العربية، التي ستعقد بعد أيام، الرئيس السوري بشار الأسد، الذي كان "يُصدِّعُ" رؤوس القادة العرب بتنظيراته ومحاضراته المطولة، والذي من المفترض أن يحتل مكانه الشيخ معاذ الخطيب رئيس ائتلاف المعارضة السورية، الذي من المتوقع أن يكون صمته أكثر من كلامه، لأن الذين يعملون بصمت أو بما قلَّ ودل هم الذين يصنعون التاريخ، أما الثرثارون كالقذافي فلا يتركون إلا الأثر السيئ و"النُّكت" التافهة والرخيصة.

Ad

كثير من القادة العرب، لاسيما في قمة بيروت عام 2002، وليس في قمة دمشق الأخيرة، التي كانت عرجاء بكل معنى الكلمة، كان يتقصد أخذ غفوة طويلة بمجرد بدء بشار الأسد تلاوة نظرياته وأطروحاته السياسية، وكان بعضهم يتنفس الصعداء بمجرد إنهاء معلقته التي تتخللها حركات وإشارات كحركات معلم متحمس مبتدئ في صف مرحلة ابتدائية.

وستفتقد قمة الدوحة أيضاً صاحب الجماهيرية العظمى، الذي كان مُضحِّكاتي، "أراجوز" كل القمم العربية، التي حضرها على مدى أربعين عاماً من حكمه، والذي ترك ليبيا أم "الخيرات" والكفاءات مدمرة ومهشمة على هذا النحو الذي يوجع القلب، ولعل ما يفترض أن يتذكره بعض القادة العرب أو سمعوا به على الأقل هو أن معمر القذافي ظهر في فندق الأوراسي في الجزائر العاصمة، خلال انعقاد قمة عربية هناك، وهو يرتدي "قفازاً" جلدياً أبيض، يغطي يده اليمنى من الكف وحتى الكوع... وعندما سأله أحد الصحافيين عن معنى إخفاء يده على هذا النحو، قال وهو يطلق ضحكة مدوية: حتى لا أُنجِّس يدي عندما سأسلم على من سألتقيهم في قصر الصنوبر (قصر المؤتمرات) بعد قليل!

كما أن قمة الدوحة ستفتقد أيضاً حسني مبارك، الذي سيجلس في مكانه المعتاد د. محمد مرسي بِطلَّتهِ البهية وبوجهه السمح الصبوح، وزين العابدين بن علي، والجنرال علي عبدالله صالح الذي يبدو أنه يصرّ على البقاء في اليمن إلى أن يعيدها إلى ما قبل عام 1990، عندما كانت شطراً جنوبياً ودولة ماركسية-لينينية، بقي "ماركسيوها" يقتلون بعضهم بعضاً في وجبات متلاحقة إلى أن قتل الاتحاد السوفياتي "العظيم" نفسه! واضطر آخر من تبقى من هؤلاء إلى إهداء هذه الدولة الماركسية لدولة الشمال القبلية بلا أي قيد أو شرط.

لقد اعتاد العرب في قممهم، التي بإمكان قمة الدوحة تخصيص جائزة معتبرة لمن يستطيع عدَّها مع ذكر سنوات وأمكنة انعقادها، جداول أعمال طويلة مملة، من بين بنودها قضية فلسطين، التي كلما انعقدت قمة تضاءل أمل استعادتها، أو على الأقل إيجاد حل معقول لقضيتها، وقضية الجزر العربية التي احتلها شاه إيران "المقبور"، وبقي أوفياء لاحتلاله هؤلاء الأشقاء المعممون الذين يصرون على أن الخليج فارسي، وأنه سيبقى فارسياً، إضافة إلى قضية جزر القمر، وقضية السودان مع جنوبه، وقضية لبنان، وألف قضية وقضية.

والآن، وإذ ستعقد قمة العرب في الدوحة بعد أيام فإن الأمل، الذي لا أمل أهم منه، أن تَنْصبَّ الجهود، مادامت الاستعراضات البهلوانية، التي كان القذافي يشغل قادة الأمة العربية بها، قد ولَّت بلا رجعة، ومادام صاحب "التنظيرات" المطولة بات يجلس في مقعده ثائراً يحمل روحه على راحته، على القضيتين الفلسطينية والسورية فقط، فالفلسطينيون مازالوا بانتظار شبكة الأمان المالية التي أقرت في قمة سابقة، والسوريون مازالوا بحاجة إلى وحدة الموقف العربي، وإلى وضع حد لعمليات الاستقطاب، التي يدفعون ثمنها أنهاراً من الدماء الطاهرة، والتي أجَّلت انتصارهم كل هذه الفترة الطويلة.