يقول أهل الكويت الأُول "إن الدنيا قضاها منها وفيها". يعني أن من يعمل سوءاً يجزى بمثله عاجلاً أو آجلاً في دنياه، أما آخرته فحسابه عند رب غفور كريم شديد العقاب.

Ad

من منّا لا يذكر ذلك الرجل الكهل الذي كان يهرول في شوارع تونس صارخاً بلهجته التونسية "هرمنا... هرمنا... بن علي يهرب"، خرج ذلك الرجل بعد أن فاض به الألم والقهر والظلم طوال عقود من سنين حتى ضاق فضاء تونس، فلم تعد الناس قادرة على استنشاق نسائم الحرية وتلاشت مساحة إبداء الرأي.

وبعد كل تلك العقود من السنين تمكن القائد من فهم شعبه بعبارته المشهورة "الآن فهمتكم"... فحلق يبحث عن مأوى بعد أن ضاقت به السبل، فانبرى لذلك رجال زرع الله في قلوبهم العزة والكرامة والعفو عند المقدرة فحط رحاله في أرض النبوة والرسالة.

أما أمثاله من القادة فهربوا من شعوبهم إلى حفر للاختباء بها مثل فئران الحقول، وتم إخراجهم منها بصور فيها الكثير من المهانة، فأين تلك الغطرسة والظلم والاستعباد؟ وصدق أهلنا "الدنيا قضاها منها وفيها".

ولنا في هذا المجال تساؤل بريء لقد أقدم الشاب "البوعزيزي" على إحراق نفسه من أجل كرامته، فهل هناك من هو على استعداد للتضحية بحياته من أجل كرامته التي يعتقد أنها سلبت منه فخرج للبحث عنها في الشوارع؟ في اعتقادي أن هناك من يتمنى ذلك ولكني يقيناً لا أتمناه لأحد لأن الروح أمانة استودعنا إياها الخالق جلّت قدرته، فلا يحق لأحد التفريط بها مهما كانت الظروف.

توالت بعد ذلك ثورات ما يُسمى بـ"الربيع العربي" وخرجت الشعوب ثائرة على الظلم والطغيان، وبدأت المسيرات في تلك الشوارع ذاتها التي خرجت بالأمس لتأييد الغازي بغزوه والظالم بظلمه، وتعالت الأصوات تنادي "أينكم يا عرب... أين أنتم يا عرب". فأعاد هذا النداء ذكرى تلك الأيام الحالكة السواد التي تعادل قروناً من الزمن حين تعرضت الكويت الغالية لغزو غادر، فهز الكون صوت الأمير الوالد الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح، طيب الله ثراه، يهدر كالأسد الجريح "أينكم يا عرب... أين أنتم يا عرب الكويت تدمر، بلادنا تتعرض لغزو غادر... أينكم يا عرب"؟!

ومن جانب آخر حمل الأثير صوت الأخ العزيز يوسف مصطفى منادياً "أينكم يا عرب... أعراضنا تنتهك.. دماؤنا تسيل". ولكن لا حياة لمن تنادي ويا ليتهم اكتفوا بذلك بل انبرى بعضهم وهم كثر لغرس خناجر الغدر المسمومة في الجرح الغائر، فتكسرت النصال على النصال في جسد الكويت الغالي من أناس ودول كنا نظنهم بالأمس القريب إخوة لنا، ولعل أشرسهم علينا كانت الجماعات الإسلامية، خصوصاً جماعة "الإخوان المسلمين"، و"دارت الأيام" ودخلت تلك الدول التي اتصفت مواقفها بالغدر والخيانة في دوامة من الفوضى لا تبدو لها نهاية، وكما قال أهلنا "الدنيا قضاها منها وفيها"... فاللهم لا شماتة.

من ناحية أخرى، وبعيداً تماماً عمّا سبق، فإن الهرم والشيخوخة قد تصيب الدول كما تصيب الإنسان والأحياء، ومن أهم صفاته البطء في الحركة وربما انعدامها، وهذا للأسف ما نراه في بلادنا، فقد توقفت الحركة وفقدنا الإحساس بالتنمية والبناء، فأين تلك الأيام الخوالي عندما كانت لوحة "اتجاه جبري" تجدها في كل مكان في الدولة، فشقت الطرق وشيدت المدارس والمستشفيات، وأنشئت المناطق النموذجية التي ما زلنا نعيش فيها، وبقينا على "طمام المرحوم" ودخلنا مرحلة الهرم والشيخوخة!

فماذا عسانا نقول عن مستشفى الصباح أو مستشفى الأميري؟ وماذا عن جامعة الكويت التي اختفت ملامحها من كمية الترقيع فيها؟ وماذا عن الجسور التي انتهت صلاحيتها؟ وماذا عن الطرق التي تلاشى منها الأسفلت وسالت عليها الدماء؟ فقانون المرور في غفوة طويلة في الأدراج بينما الشوارع تلتهم الأرواح من كل الأعمار، والمسؤولون في وزارة الداخلية "أذن من طين وأذن من عجين"، وكأن الأمر لا يعنيهم.

ثم ماذا عسانا نقول، وقد قلنا الكثير عن مطار الكويت الدولي، وكم تألمت عندما قرأت تصريحاً لأحد المسؤولين مفاده أنه تم اختيار "18" شركة عالمية لتكوين تحالف تسند إليه مهمة إنشاء مطار الكويت الدولي الجديد والذي سيتم الانتهاء من تنفيذه "عام 2020"؟ وأنا على يقين بأنه تم اختيار ذلك العام لرومانسية الرقم وندرته، وأضاف التصريح بأنه قد تم تكوين لجنة للقيام بزيارة بعض المطارات العالمية منها سنغافورة وماليزيا وأمستردام، فلا يزال نظام السياحة على حساب الدولة قائماً، علماً أن مطار أمستردام الذي كنت أستخدمه شهرياً تقريباً وذلك خلال إقامتي في هولندا على مدى ثلاث سنوات، من المطارات القديمة في أوروبا في حين أن مطار دبي لا يبعد عنّا أكثر من ساعة ونصف، وهو من أحدث مطارات العالم ويأتي في المرتبة الثالثة عالمياً.

 وأضاف المصدر المسؤول في تصريحه أن مطار الكويت الدولي المزمع إنشاؤه سيستوعب حوالي 27 مليون راكب، وسيكون ذلك عام 2020، في حين أن مطار دبي قد استوعب العام الماضي 2012 أكثر من 57 مليون راكب!

نعم،  نحن شعب يحب "التحلطم" والانتقاد وما أسهلهما، ولكن ألا يحق لنا ذلك، ونحن نرى الكثير من الأمور التي تسير إلى الخلف، بل عجزنا عن الحركة وأصابنا الهرم والشيخوخة، فأين عبارة "الكويت الفتية"؟ أتمنى من كل قلبي النجاح والتوفيق للحكومة ورئيسها، ففي ذلك نجاح للكويت وأهلها، وأتمنى النجاح والتوفيق لمجلس الأمة وأعضائه لنثبت أن مجالس الصراخ وصنع البطولات الوهمية السابقة كانت كارثة على الكويت وأهلها... ودعاؤنا دائماً أن يحفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.