أعلنت مدينة ديترويت، أكبر مدن ولاية ميشيغان الأميركية إفلاسها، وهي ليست أول مدينة أو مقاطعة أو حتى دولة تعلن إفلاسها، ولكن إفلاسها يكتسب أهمية خاصة لأنها معقل صناعة السيارات الأميركية ومعقل رئيس لريادة الولايات المتحدة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً للعالم بعد حرب العالم الأولى -1914 إلى 1918، وأكبر المدن الأميركية التي أعلنت إفلاسها. وتعادل مساحة المدينة ثلاث محافظات كويتية، هي العاصمة وحولي ومبارك الكبير، وتكتسب مقاربتها مع الكويت أهمية خاصة لأنها بلغت أوج تقدمها في خمسينيات القرن الفائت –الكويت في ستينياته– ثم بدأت بالاضمحلال. وبلغ عدد سكانها نحو 1.8 مليون نسمة في خمسينيات القرن الفائت، عندما كانت السيارات الأميركية الصناعة الرائدة في أميركا والمتفوقة حول العالم، وانخفض إلى نحو 701 ألف نسمة في عام 2012، وبات نحو82.7% منهم من السود، لأن القادرين رحلوا، وازدادت أزمة صناعة السيارات الأميركية تسارعاً في العقد الفائت، وانخفض عدد العاملين فيها من 325 ألف عامل في عام 2000 – بحدود عدد موظفي الحكومة الكويتية، حالياً– إلى نحو 125 ألف عامل في عام 2009، وارتفع العدد إلى 145 ألف عامل في عام 2013، بفضل دعم الحكومة الأميركية لصناعة السيارات بعد أزمة عام 2008، والذي بلغ نحو 80 مليار دولار.

Ad

وبلغ رصيد الدين العام للمدينة نحو 18 مليار دولار، نصفه، أو نحو 9 مليارات منها، لصالح 20 ألف متقاعد، أي إن للمشكلة جذوراً لن تتوقف عند المستوى المالي والاقتصادي، وإنما سوف تمتد إلى البعدين، الاجتماعي والسياسي، ويعتقد على نطاق واسع أن المشكلة كان يمكن اجتنابها، ولكن تكمن مشكلة المدينة في سوء إدارتها، فحتى إعلان المدينة إفلاسها لم يكن معروفاً بدقة حجم مشكلتها المالية، واستقينا المعلومات السابقة في وقت لاحق لإعلان الإفلاس من جريدة الفايننشال تايمز ووكالة بلومبيرغ ومكتب الإحصاء التابع للحكومة الأميركية ومكتب إحصاءات العمل التابع لها. ويقدر المستثمرون ان إعلان إفلاس المدينة هو بداية حقبة إصلاح جذرية وأنها سوف تستفيد من تجارب أخرى مماثلة، وإن كانت أصغر، ولأنها مدينة، ولكن ضمن أكبر اقتصادات العالم، فهناك دائماً شبكة أمان فيدرالية تحميها من السقوط الحر.

وترتبط ملاءة واستقرار اقتصادات النفط كلها باستمرار وجوده وقوة سوقه، واستمد سوق النفط قوته في العقد الفائت -2003 إلى 2013- في البداية، لأسباب اقتصادية ولاحقاً ورغم أزمة العالم المالية لأسباب جيوسياسية، واستخدمت الإيرادات في دول النفط بما يجعلها مرتبطة أكثر بمتغيرات سوق النفط، ما أدى إلى هبوط تنافسية اقتصاداتها، والكويت من هذا المنظور، أسوأ مثال ضمن الدول النفطية، لا لعدم امتلاكها الرؤى أو الموارد، ولكن لأن لديها أضعف إدارة عامة على الإطلاق، وسوف تغرق تلك الإدارة وتغرق البلد معها، إن حدث ضعف في سوق النفط، مماثل لضعف سوق السيارات الأميركي. الفارق الكبير بين الحالتين، هو أن الكويت، خلافاً لديترويت، معظم ناسها ليس لديهم بديل يهربن إليوه، ولا تعليم أو تأهيل يعتدون به، ولا هم ضمن كيان سياسي أو نطاق جغرافي يمكن أن يمثل شبكة أمان للكويت ولهم. إن الوقت يمضي، وفيه متسع لإصلاح حقيقي، فقط في حال تغيير إدارة البلد بشكل جوهري، ولكن، وعلى مدى 45 عاماً، أهدرت الكويت الفرصة تلو الأخرى، دفاعاً عن ثبات تلك الإدارة، ولعل الرسالة تصل بأنه صراع بقاء وليس قتالاً من أجل مناصب.