في ندوة تمحورت حول العبدلله سليمان الفهد وفي ظل الحزن على رحيله، أكد المشاركون أن الراحل اشتهر بصلابة موقفه وطرافة حكايته، معتبرين أن تجربته ثرية ولا شبيه لها في التجارب الأخرى.

Ad

وتطرق المشاركون في تلك الندوة الأدبية التي نظمتها مكتبة «ذات السلاسل» وأدارها الباحث حمزة عليان، بمناسبة إطلاق اصداري «حين تتداعى ذكريات... العبدلله» و»سوالف الخميس»، إلى مناقب الراحل ومواقفه الصلبة النابعة من شفافية ووضوح اتسم بهما، حيث كانت روحه مفعمة بالإنسانية والمحبة.

وأكد د. غانم النجار في مفتتح حديثه، أن العبدلله لم يكن يخشى لومة لائم حينما كان يشعر بضرورة التعبير عن رأيه بشفافية ووضوح بشأن موضوع ما، منحازا إلى مبادئه غير مكترث بما سيكلفه هذا الالتزام من مخاطر المجابهة مع السلطة.

 وشدد النجار على أن سليمان الفهد «صاحب مواقف صلبة جداً، حيث لم يخذل من راهن عليه»، مبيناً أن «ثمة أموراً لم يسجلها التاريخ الرسمي بشأن قضية الأسرى إبان الاحتلال العراقي لدولة الكويت عام 1990».

وأشار إلى صعوبة استيعاب رحيل سليمان الفهد لأن غيابه متعب وقاس جدا، مضيفاً: «كنت أحاول تجنب التفكير في العبدلله منذ رحيله، لكنني حينما شاهدت صورته قبل قليل في المكتبة شعرت بالارتباك، فقد آلمني هذا الواقع المرير وأتعبني جداً، لأنه شخصية لا تتكرر، وأصفه بالسهل الممتنع لجمال حديثه الشائق الذي يدل على شفافية ووضوح».

وبتأثر شديد، قال النجار إن الحديث عن الأصدقاء المقربين الذين رحلوا يمثل عبئاً نفسياً صعبا جدا، مستذكراً مشاركاته في تأبين بعض الشخصيات الذين رحلوا عن الدنيا ومنهم جاسم القطامي وأحمد البغدادي وخلدون النقيب وهاشم بهبهاني ومحمد مساعد الصالح، لافتاً إلى أن مشاركته ضمن هذه الفعالية تختلف عن مثيلاتها السابقة، لاسيما أن الحضور يحتفي باستمرارية نتاج العبدلله من خلال صدور كتاب جديد يتناول جانباً من سيرته العطرة.

اللباقة واللياقة

من جانبه، أكد وزير الإعلام الأسبق محمد السنعوسي أن سليمان الفهد ترجم أفكاره وتطلعاته بطريقة طريفة متجنباً الوقوع في السخرية، منحازاً إلى الجمال المغلف بحس عال من اللياقة واللباقة، قائلا:» لمن لا يعرف، كان الفهد أخي في الرضاعة، وأخي في المواطنة، مواطنته تتجلى في كل بادرة منه... بحثه الدائم عن روح الكويت وتفردها وتاريخها، كان محور حياته الحافلة بالتناقض ظاهرياً بل المتصالحة مع الواقع كما يراه، سليمان يرى في نقده الحاضر انعتاقا للتاريخ الذي أسس جذورنا، لكن نقده لم يقع في مطب الوعظ بل الالتزام».

وأردف السنعوسي بأن «سليمان أديب وفنان... من عباءة الأدب تطل نزعته للفنون ومن دوحته الفنية يطل فكره المجدول بموهبة الإبداع... سليمان حالم، ولو لم يكن حالماً ما كتب أحلامه في البداية، ثم ألبسها رغباته وتطلعاته وأفكاره، بعد أن تمكن من أدواته ونوّع مصادر معرفته، لذلك كتب بفكر حر ووعي وأخلاق.

ويختم السنعوسي حديثه مخاطبا الفهد: «سليمان إذا خطرتَ في بالي ابتسمت، وهل هناك وصف أروع يمكن أن يطلق على أخ أو صديق بمجرد وروده في الخاطر تُدفَع إلى الابتسام ؟ سليمان فلتعش طويلا ومبتسما».

غياب مؤثر

وفي ورقته المعنونة «إلى روح الفهد التي ترفرف حولي»، يستذكر الكاتب وليد المسلم مواقف منوعة منتقاة من مشوار العبدلله الذي كانت تربطهما علاقة وطيدة امتدت زهاء ثلاثة عقود، مشدداً على أن غياب العبدلله يصعب احتماله ويقول ضمن هذا الإطار:»أفتقدك يا سليمان، افتقدك يا أبا نواف، أفتقدك يا من زرع الحب في طريق الحياة، ثم قفز وسار في طريق آخر –مؤقتا- هو بعيد المنال. أحباؤك كثيرون في كل مكان، كلهم مثلك عشاق للعروبة والكويت والحياة الإيجابية والعطاء، وعشاق للإبداع ومتذوقون للفنون. عايشتك وعشت معك منذ منتصف الثمانينيات، أحببتك، وزاد حبي عندما قال لي رجل مسنّ- وكان حينها في العقد السابع أو الثامن: هذا الرجل أحبه- ويقصد سليمان الفهد- كان باراً بأمه».

وبشأن علاقة الراحل بالفنون، قال المسلم إن «الخالق وهب العبدلله كنزاً لا ينضب من الحب أخذ يوزع منه على مخلوقات الله بكرم حاتمي. كما أحب بونواف الإبداع بكل شفافية وعمق وإخلاص منذ بدأ الفن مع رسومات الكهوف والنحت على جداريات المغارات وانتهاءً بالفن السابع- السينما- مرورا بالموسيقى وأهل القلم من شعراء وقصاصين وروائيين وكتاب السير الذاتية. أجل عشق الإبداع فأصبح همه تشجيع كل مبدع في مجاله، عشق الحرف والكلمة وأفنى فيهما حياته قراءة وكتابة».

وعن التراث الصحافي للراحل الذي ينوي المسلم جمعه في إصدار، ذكر أن العمل بدأ منذ يناير الماضي تحضيراً لهذا المشروع، إذ «عقد الراحل في بيته بمنطقة كيفان جلسات كثيرة معي أنا والزميل عبدالحميد باشا لإنجاز هذه المهمة وقد تم الجزء الأكبر من هذا الأرشيف وسيجد طريقه كاملاً إلى صفحات الانترنت، من أول مقال وحتى آخر كلمات كتبها خلال مشواره المراقب والشاهد والمحب والعاشق للوطن».

وفي ما يتعلق بفترة الغزو العراقي الغاشم، يشرح المسلم: «التقيته في حالات كثيرة: فرح وسرور، وحزن وكآبة، سفر وحضر، يأس وانهيار، أمل وابتسام، إقبال وإدبار. لازمته وهو يكتب ويستمع ويستمتع، لازمته وهو يشاهد البرامج ويحلل، لازمته وكتبت عنه الكثير في قصصي، كشهاب ثاقب مر على حياتي، كتبت عنه كحبيب يناجي أطيافا، وكتبت عن حكاية حبيبة ابنه الأسير التي أصبحت أسيرة الشهيد نواف، كما كتبت عن علاقته مع ابنه عندما كان في غياهب سجون الطاغية صدام، وعندما فوّض أمره لله واستشعر استشهاده هاتفني فجراً يزف إلي خبر استشهاده فذهبت للقائه، كان دائماً يجد فرجة في أمر للتفاؤل بالمستقبل المشرق الزاهر. حتى لو كبّلته الكآبة وانسحب كنت ألتقيه حلماً وردياً يداعبه».

شاهد على التاريخ

وعقب فتح باب النقاش للحضور، ثمّن الكاتب سليمان الحزامي دور مكتبة ذات السلاسل في تنظيم هذه الندوة، مستذكراً مشاركة الفهد في البرنامج التلفزيوني «رجال من الكويت» الموزعة على أربع حلقات صورها الراحل قبل وفاته بساعات قليلة، مشيراً إلى أن المادة المسجلة تضمنت إضاءة على محطات إبداعية خلال مشواره.

أما أمين عام رابطة الأدباء الكويتيين الكاتب طلال الرميضي، فشكر المشرفين على مكتبة ذات السلاسل للمسة الوفاء تجاه الراحل سليمان الفهد، آملاً أن تكتب السير الذاتية لشخصيات على قيد الحياة لأن هذا المخزون المعرفي والثقافي يعد شاهداً على التاريخ ينبغي أن تستفيد منه الأجيال المقبلة.

مرثية «توأم الروح» للكاتب وليد المسلم

رحمك الله يا توأم الروح.

كنت وستبقى نبراساً مضيئا في قلبي الحزين.

أشتاق لك، لقلبك، لحبك، لحنانك لغضبك وسكونك.

لن تنساك الكويت يا عاشقها بكل ما فيها من مثالب.

لن ينساك محبوك في طول الوطن العربي وعرضه.

رحمة الله عليك يا أبا نواف، رحمة الله عليك يا شهابي.

الله أرحم بعباده

أهديك دعاءً وحباً، أهديك دمعة.

أهديك نبض قلب يلهج لك بالأماني الطيبة.

أهديك شكراً وعرفاناً، أهديك تقديراً ووفاءً.

تغمدك الله بواسع رحمته.

والله يصبر قلوب أهلك وأحبائك على الفراق.

و«إنا لله وإنا إليه راجعون».