رغم كمّ التصريحات الحكومية التي تنفي إلغاء الدعم الحكومي للسلع والخدمات وزيادة الرسوم أو فرض رسوم جديدة على الخدمات العامة كالكهرباء والماء والبلدية وتراخيص البناء والمستندات الرسمية وغيرها، فإن هناك، على ما يبدو، تصميماً على تحميل الأسر ذات الدخول المتوسطة والدنيا شبه الثابتة تبعات الفشل في إدارة المالية العامة بشكل سليم وعادل، فهناك أيضا رغبة حكومية كما ورد في التقارير الرسمية للتقدم بمشروع قانون لإقرار ضريبة القيمة المضافة (VAT) وهي ضريبة دخل غير مباشرة على السلع تضاف على القيمة النهائية للسلعة فترفع من سعرها، حيث يدفعها المشتري وليس المنتج أو المورد وتحصلها الحكومة.

Ad

ولكن الحكومة لا تريد الإفصاح عن كل ذلك هذه الأيام لأسباب سياسية يعرفها الجميع وأسباب قانونية أيضا، حيث إن القانون رقم 79 لسنة 1995 بشأن الرسوم والتكاليف المالية مقابل الانتفاع بالمرافق والخدمات العامة يمنع الحكومة من زيادة الرسوم أو فرض رسوم جديدة إلا بقانون يصدر من مجلس الأمة، وهو ما تنوي الحكومة إصداره عن طريق مجلس الصوت الواحد أو إلغاء القانون برمته، وساعتئذ ستنهل علينا التصريحات الحكومية التي تتحدث عن "خطورة" اختلالات الميزانية العامة للدولة و"تبشر" بزيادة الإيرادات العامة غير النفطية من خلال إلغاء الدعم الحكومي وزيادة الرسوم على السلع والخدمات أو فرض رسوم جديدة!

لا جدال في أن الميزانية العامة للدولة تعاني اختلالات بسبب سوء الإدارة العامة، وهناك حاجة ماسة لتنمية الإيرادات العامة غير النفطية، حيث يعتبر النظام الضريبي أحد المصادر الهامة هنا، ولكن بشروط أهمها أن يكون النظام الضريبي حزمة متكاملة وجزءاً لا يتجزأ من سياسة اقتصادية شاملة وعادلة في ظل نظام حكم صالح ورشيد، وإلا أصبحت الضرائب عبارة عن نهب منظم للمال العام، وتوزيع غير عادل للثروة، فما يقتطع من دخول الفقراء والطبقة الوسطى سيذهب إلى الأغنياء!

 بعبارات أخرى لنفترض أن الحكومة ألغت الدعم المقدم لأصحاب الدخول المتوسطة والدنيا، وفرضت رسوماً جديدة على السلع والخدمات، فأين ستذهب الإيرادات التي تحصلها؟ أي لمصلحة من سيتم توجيه الموازنة العامة للدولة؟ ثم هل الدعم الحكومي مقتصر على السلع والخدمات التي تقدم للأسر والأفراد؟ أليس الأولى إعادة تسعير السلع والخدمات وإعادة هيكلة أو إلغاء الدعم السخي وغير المحدود الذي يقدم للشركات والمؤسسات الاستثمارية والعقارية والتجارية الخاصة التي تكاد تنعدم علاقتها بالاقتصاد الحقيقي ولا تدفع أي ضرائب على الأرباح الخيالية التي تحققها أو ضرائب عقارية، ولا توفر فرصا وظيفية للعمالة الوطنية، بل إن الحكومة تدفع جزءاً كبيراً من رواتب موظفيها من المواطنين، وتمنحها أراضي الدولة بأسعار زهيدة، وتخصص لها محافظ مليارية لإنقاذها من الإفلاس، فضلاً عن الإعفاء الضريبي والجمركي والوكالات المحلية ودعم الطاقة (الكهرباء مثلاً تكلفتها على الشركات الخاصة فلس واحد للكيلو واط بينما تدفع الأسر فلسين للكيلو واط!)؟!

قصارى القول أن الحديث عن النظام الضريبي أو إلغاء الدعم وفرض رسوم جديدة على السلع والخدمات سيكون حديثا قاصرا ومضللاً، بل منحازا ما لم يُربط بتوزيع عادل للثروة، ويسبقه إصلاح سياسي جذري، وخطوات جادة لمحاربة الفساد السياسي والمالي، وتضارب المصالح الذي بات يعرفه القاصي والداني على أن يترافق معها تغيير الطبيعة الريعية للاقتصاد، ومعالجة التضخم النقدي، وغلاء الأسعار، وسوء الخدمات العامة كالتعليم والصحة.