رسالة من أنقاض القصير: عليكم أن تختاروا حليفكم أوباما أو بوتين

نشر في 10-06-2013
آخر تحديث 10-06-2013 | 00:01
إليكم الرسالة التي بعث بها الروس من القصير: تقاتلون من أجل حياتكم، وعليكم أن تختاروا حليفكم: أوباما الذي يتمسك بـ«الشرعية الدولية» وإعلان البيت الأبيض المضحك عن أن «على حزب الله وإيران سحب مقاتليهما في الحال من سورية»، أو بوتين الذي يرسل سفنه البحرية الروسية لتأمين الحماية وشحنات الأسلحة الإيرانية وآلاف مقاتلي حزب الله. أيهما تختارون؟
 واشنطن بوست سقطت القصير يوم الأربعاء الماضي بين يدي نظام بشار الأسد، وهي تُعتبر منطقة استراتيجية تربط دمشق بالجزء الذي يقطنه العلويون على البحر الأبيض المتوسط بمرافئه وقاعدته البحرية الروسية، ولا شك أن هذا تبدّل استراتيجي كبير، فبات باستطاعة قوات الأسد الآن التقدم نحو المناطق التي يسيطر عليها الثوار في وسط سورية وشمالها، بما فيها حلب.

بالنسبة إلى الثوار، هذه خسارة كبيرة للأراضي والمعنويات، فضلاً عن فقدان ممرّ الإمدادات من لبنان، ولا أحد يعلم ما إذا كانت الرياح المعاكسة هذه ستدوم، إلا أن الجميع يدركون اليوم أن الأسد بات الأقوى.

لكن ما بدّل موازين المعركة كان تدخل خارجي سافر نفّذه حزب الله، المجموعة الشيعية المسيطرة على لبنان والتابعة لإيران، فقد عبرت قوات هذا الحزب المدرّبة جيداً والمدججة بالسلاح إلى سورية وطردت الثوار من القصير، التي حوّلتها المدفعية السورية إلى كتل من الأنقاض يتصاعد منها الدخان.

لا شك أن هذا انتصار كبير ليس لإيران فحسب، بل أيضاً لموسكو، التي تبقي الأسد في السلطة وتعزز كثيراً مرفأ طرطوس في المياه الدافئة، فتُعتبر هذه القاعدة العسكرية الروسية الوحيدة خارج مناطق الاتحاد السوفياتي السابق؛ لذلك أرسل فلاديمير بوتين نحو اثنتي عشرة سفينة حربية أو أكثر لترسو قبالة شواطئ سورية، مؤمّناً حماية أكبر لهذا الموقع الاستراتيجي ولعميله السوري.

ماذا عن الخاسرين؟ تركيا، التي تُعتبر عضواً في حلف شمال الأطلسي وأحد أهم داعمي الثوار؛ الأردن، أحد أبرز حلفاء الولايات المتحدة العرب، وهو يرزح اليوم تحت ثقل نصف مليون لاجئ سوري؛ وحلفاء الولايات المتحدة في الخليج العربي، الذين يُعتبَرون أبرز مزودي الثوار بالسلاح.

أما الولايات المتحدة، التي أعلن رئيسها المتردد أن على الأسد الرحيل، وأنه فَقَدَ كل شرعية، وأن سقوطه ما هو إلا مسألة وقت، فلا تبدو عاجزة فحسب، بل ساذجة أيضاً.

لا يريد الرئيس أوباما إنزال الجنود الأميركيين إلى ساحة القتال، ولا بأس في ذلك، فلا أحد يرغب في خطوة مماثلة، ولكن بين الوقوف مكتوف اليدين والغزو حلول وسطى كثيرة، منها تسليح الثوار، ومساعدة تركيا في الحفاظ على منطقة آمنة في شمال سورية، وعرقلة قوات الأسد الجوية القاتلة بمهاجمة المطارات والمدرجات، وصولاً إلى فرض منطقة حظر جوي بتدمير أنظمة الدفاع الجوي التابعة للأسد.

كان باستطاعة أوباما اللجوء إلى أي من هذه الحلول الوسطى، إلا أنه أبى، وعندما بدأت موازين القوى تنقلب قبل أسابيع، سرّبت الإدارة الأميركية أنها تفكّر ربما أو على الأرجح في تسليح الثوار، لكننا لم نشهد أي خطوات إضافية.

يعتقد أوباما أن حرباً أهلية، مثل الحرب السورية، ستتواصل كما هي اليوم وستظل محصورة، إذا لم تتدخل فيها الولايات المتحدة. لكنه لا يفهم بكل بساطة أن الولايات المتحدة، إذا انسحبت من المشهد، فإنها تسبب فراغاً قد يؤدي إلى تدخل خارجي معادٍ، فدور القوة العظمى في الصراع الإقليمي رادع.

على سبيل المثال، أرسل الرئيس الأميركي أيزنهاور (الذي يجلّه "الواقعيون" العصريون لما مارسه من ضبط نفس استراتيجي) عام 1958 قوات البحرية الأميركية إلى لبنان بغية حماية الحكومة الموالية للولايات المتحدة من تهديدات سورية ومصر.

وفي حرب أكتوبر عام 1973، هددت روسيا بإرسال جنودها لدعم الجيش المصري، فسارع الرئيس نيكسون إلى التلويح بردّ أميركي، عزز الأسطول السادس، ورفع حالة التأهب العسكري الأميركي حول العالم إلى 3، ما دفع بروسيا إلى التراجع.

هكذا تسير الأمور في هذه المنطقة: قوة تردع قوة أخرى، لكن أوباما يتعاطى في المقابل بمفاهيم مجردة فارغة، مثل "الشرعية الدولية"، ويعمل من خلال لقاءات عديمة الجدوى، مثل مؤتمرات "أصدقاء سورية".

لكن الأسد يملك صديقاً حقيقيّاً، إذ يعرف بوتين أوباما جيداً، فبعد أن راقب تراجعه في أوروبا الشرقية، وسلبيته تجاه مناورات روسيا المعرقِلة في الشأن الإيراني، وسياسة "إعادة الضبط" الخنوعة التي اعتمدها، يعي بوتين جيداً ألا داعي للخوف من الرئيس الأميركي.

ماذا كانت النتيجة؟ أغرق بوتين، الذي يستهين بالولايات المتحدة، سورية بالأسلحة، وبعثت إيران، التي لا تقل عنه استخفافاً، الحرس الثوري ليدعم قوات الأسد ويقدّم لها النصح، وكذلك غزا حزب الله سورية وسيطر على القصير.

ما كان ردّ أوباما؟ لم نسمع أي تحذيرات من أن هذه الاستفزازات، التي تبدّل الموازين على الأرض، قد تؤدي حتى إلى ردّ بسيط من الولايات المتحدة.

علاوة على ذلك، تبيّن أن خط أوباما الأحمر بشأن الأسلحة الكيماوية مجرد كذبة، فحتى الإعلان عن هذا الخط الأحمر عكس تردد أوباما، مشيراً إلى أنه ما من أمر (حتى قتل 80 ألف بريء باستخدام أسلحة تقليدية) قد يدفع الولايات المتحدة إلى التحرك، غير أسلحة الدمار الشامل.

وعندما انتُهك هذا الخط الأحمر واستُخدمت أسلحة الدمار الشامل، دخل أوباما في متاهات قانونية، باذلاً قصارى جهده لمحوه، فهل نتعجب، إذاً، من أن حلفاء الأسد يهاجمون بكل ما أوتوا من قوة؟ فقد انضم حزب الله بكل وقاحة إلى الحرب على الأرض، وأرسلت روسيا فرقة صغيرة وكميات كبيرة من المواد العسكرية، أما إيران، فحذّرت الجميع من التدخل.

ماذا كان ردّ الولايات المتحدة؟ أرسلت وزير خارجيتها بكل تواضع إلى موسكو، فعاد جون كيري وهو مقتنع فعلاً أنه حقق إنجازاً دبلوماسيّاً كبيراً: مؤتمر "سلام" ستهيمن عليه روسيا وتستغله لتعيد منح الأسد الشرعية وتهميش الثوار.

أراد بوتين أن يتأكد من أن كيري يدرك مكانته جيداً، فأبقاه منتظراً خارج مكتبه طوال ثلاث ساعات، ومن المؤكد أن الروس يتقنون نقل الرسائل، وإليكم الرسالة التي بعثوا بها من القصير: تقاتلون من أجل حياتكم، وعليكم أن تختاروا حليفكم: أوباما الذي يتمسك بـ"الشرعية الدولية" وإعلان البيت الأبيض المضحك عن أن "على حزب الله وإيران سحب مقاتليهما في الحال من سورية"، أو بوتين الذي يرسل سفنه البحرية الروسية لتأمين الحماية وشحنات الأسلحة الإيرانية وآلاف مقاتلي حزب الله. أيهما تختارون؟

* تشارلز كراوثامر | Charles Krauthammer

back to top