من أجواء أعمالها، يتأكد للمتلقي أن هذه الكاتبة كانت تعمل في القطاع الخاص وقد يكون في قطاع المال والأعمال، لذا يحمل عملها الأخير {خمسة فلوس} هذه المضامين، لا سيما في الرسومات على الغلاف، وصور البورصة وعملة نقدية معدنية مختلفة.

Ad

 

صنع الخيال

القصة القصيرة عمل إبداعي بمعنى أنه ليس نقلا للواقع بل لقطات من الحياة صنعها خيال الكاتب، لذا من أهم مميزات كاتب القصة القصيرة والرواية، ليس كيف يصوغ الجمل والفصول، إنما أن تكون لديه قدرة على صنع الخيال، في المقام الأول.

"خمسة فلوس} (مجموعة قصصية، تقع في 191 صفحة من الحجم المتوسط) عنوان يثير الانتباه، إنما يعيب الكتاب أنه من دون فهرس، وطباعته غير مهنية ومتسرعة، وقد تكون السرعة في الإصدار السبب ولكن لا يلغي ذلك المضمون.

نَفَس طويل

 

عندما تهمّ بقراءة قصص المجموعة تشعر بأن الكاتبة لها نفَس طويل في الكتابة، بمعنى لا تجد صعوبة في التخيّل والاسترسال في صنع الأحداث، على رغم أن بعض القصص قد لا يتطابق مع الواقع، فإنها تحمل هموماً مجتمعية على فترات زمنية متباعدة.

تقول الكاتبة في مقدمة الكتاب: {أتعبتني كثيراً روايتي الأولى {حفار القبور}، لهذا فكرت أن أهديكم هذه المجموعة الخفيفة اللطيفة التي آمل أن تجدونها سهلة القراءة، وليس فيها من الحزن والقسوة اللذين يهيمنان على روايتي السابقة التي تدور أحداثها بين القبور والموتى، أما هذا العمل فتجري أحداثه في الأسواق والمجمعات التي تضج بالحياة}.

على رغم أن ليلى الرباح جديدة على الساحة، فإنها أتت بفكرة ذكية لا أعرف هل سبقها أحد عليها أم لا، إذ جعلت من العملة النقدية {خمسة فلوس} المحور الرئيس لقصص المجموعة (11 قصة)، من أول الكتاب حتى آخره، وإن اختلف أبطال العمل وأعمارهم.

 لم تترك الكاتبة الأمر هكذا، بل لونت كل قصة بزمن محدد، ويبدو ذلك في عناوين معظم القصص (1968 شجاعة كاذبة، 1976 ابتزاز طفولي، 1995 قطة كريهة، 2003 تسريحة شعر، 2007 شرف ضائع، 2012 طفلة بالسوق )، كأن كل قصة تتحدث في فترة زمنية من تاريخ مجتمعها، فثمة أزمة مديونيات، كارثة غزو، يوميات بورصة وغيرها من أحداث.

إعادة اعتبار

السؤال الذي يتبادر إلى المتلقي: لماذا اختارت خمسة فلوس، عملة نقدية معدنية، لتكون بطلة قصص المجموعة، ولم تختار عملة أكثر قيمة، قد يكون الجواب رغبتها بإعادة الاعتبار إلى هذه العملة المغضوب عليها، إذ لا يلتفت إليها أحد هذه الأيام ويعتبرها الجميع بلا قيمة.

تعالج قصص المجموعة مواضيع مختلفة من شجاعة طفل في مواجهة كلاب تحدد تاريخ مستقبله، وفتاة عانس تبحث عن زوج، وفتاة تتعلق بخمسة فلوس، أثناء الاحتلال، كونها تحمل اسم الكويت، وهنا نجد الرمزية، البورصة وأزمة مديونيات، وتعرّض عامل أسيوي لمحنة وعذاب و...

هل نستطيع عرض قصص المجموعة على قلم ناقد أكاديمي؟ اعتقد أن ذلك قد يسبب للناقد إشكالية منهجية، فالقصص وإن أطلقت الكاتبة عليها: {قصص قصيرة}، إلا أن بعضها يتجاوز صفحاته 24 صفحة، مثل {1995 قطة كريهة}، وبعضها الآخر بين 5 و14 صفحة. هل هذا جانب سلبي؟ أعتقد لا... لم أجد ذلك كمتلقٍ، إنما قد يستمتع القارئ في معرفة ما ستؤول إليه نهايات القصص بلا ملل وسرد سهل.

كُتبت القصص بأسلوب مرن واضح، يتوجّه إلى القارئ العادي الذي يحبّ الدهشة والسرد العادي غير المغرق في الرمزية، وقد استخدمت الكاتبة أسلوب حذف الزمن والفلاش باك في بعض القصص للتشويق.

في قصة {2007 شرف ضائع}، تبرز جرأة الكاتبة في معالجة قضية قد لا يرغب كاتب آخر بمعالجتها، هي الشذوذ الجنسي، بأسلوب قد لا يجنح له كاتب محلي آخر وباستخدام مفردات قد لا تستعمل لكن... يفهمها القارئ وقد يتقبلها.

تقتحم ليلى الرباح الساحة الثقافية بقوة وبتسرع، وقد تخرج عن نهج الآخرين، إلا أن هذا العمل الإبداعي قد يجد له قراء وقد لا يعجب به جمهور آخر، لكن القارئ يبحث عن الجديد والطرح المخالف، وأعتقد أن الكاتبة تسير على هذا النهج الذي يحتاج إلى دعم إعلامي، وألا تتسرع في طرح أعمالها مستقبلا، وأن تبحث عن دار نشر تتولى الإخراج المهني لإصداراتها المقبلة، لأن النشر صناعة لها سوقها، ولها دور في انتشار الكتاب.

 في حال استمرت ليلى عثمان الرباح في الكتابة ولم تتوقف سيكون لها شأن في مسيرة الحركة الإبداعية التي تجنح إلى التواصل مع القارئ وليس مع الناقد، لأن الكتابة تحتاج إلى جرأة في الطرح وإلى نفس طويل في الكتابة ومقدرة على صنع الخيال، وتحدٍّ، وخبرة حياتية وهي الأهم، وهذا ما ينقص الكتّاب الشباب في بداية حياتهم.

في مقدمة الكتاب كتبت ليلى الرباح: {إلى قرائي الأعزاء (القلائل جداً)}، هكذا كتبت ولكن حتما سيزيد عدد القراء مع مزيد من التحدي والاستمرار وتلافي السلبيات في الأعمال، على ما نعتقد.