لطالما قاتلت الشعوب لأجل حريتها، فمنذ فجر التاريخ الإنساني لم تقدم السلطة موائد الحرية للرعية على أطباق من ذهب، بل على النقيض، فالتاريخ الإنساني يزخر بقصص القمع والتضييق على الحريات، والواضح أن سياسات العصا والجزرة وتكميم الأفواه بدأت منذ استيطان الإنسان لهذه الأرض، ولن تنتهي الحكاية حتى يرث الله الأرض بمن عليها.
ولذلك، لم يكن مفاجئاً طرح حكومتنا الرشيدة لمشروع "الإعلام الموحد" كبالون اختبار قبل فترة، وتجميدها له بعد ردود الأفعال المناهضة للقانون، مع عدم وجود ضمانات بعدم ذوبان الجليد عن هذا المشروع مع حرارة الصيف!إن المثير للعجب والدهشة هو تبني بعض نواب المجلس لهذا المشروع، وسعيهم إلى تقديمه كاقتراح بقانون بعد وضع رتوش بسيطة تعطيه صبغة نيابية.وهنا ترتفع علامات التعجب والاستفهام، فبأي منطق تسعى الأمة إلى لجم نفسها بنفسها؟! وما المبرر الذي يدفع ممثلي الأمة لوضع القيود في أكف من انتخبوهم وحملوهم المسؤولية؟! فهم بذلك يناقضون الشاعر "إيليا أبو ماضي" وبيت شعره الشهير "لا أحب القيود في معصميكِ"!إن الانقسام المجتمعي الحاد الذي تزعمه بعض السياسيين، وخطابات السب والشتم والتخوين التي انتهجتها بعض الألسن، بالإضافة إلى الإحساس بالخوف من المستقبل الذي تلبّس بعض فئات المجتمع نتيجة الترهل في تطبيق القانون، وغياب مبادئ التكافل الاجتماعي والتعايش السلمي بين فئات المجتمع، كل ذلك لم يترك مجالا للبعض سوى التعامل من باب "أهون الشرّين" ودفعم للاستلقاء في حضن الحكومة من باب "إللي نعرفو أحسن من إللي مانعرفوش" و"المستجير من الرمضاء بالنارِ"!فليس من الإنصاف إلقاء اللوم فقط على من يوصفون اليوم بمجموعة "الموالاة" الحكومية، لأن منهم من لم يجد بديلا عن حضن الحكومة نتيجة لجفاء "المعارضة" وأسلوبها الفج في التعامل مع القضايا المفصلية والحساسة.إلا أن ذلك وحده ليس مبرراً كافياً للانجراف مع قوانين كبح الحريات التي ستؤدي إلى نتائج كارثية، فقانون الإعلام الموحد والاتفاقية الأمنية الخليجية وغيرهما، إذا ما أقرت، فإنها ستشمل الجميع ولن تميز بين معارضة وموالاة ولا بين برتقالي وأزرق، وستأكل الأخضر واليابس، وستكون بمنزلة "حصان طروادة" الذي سينهش الدستور والمؤسسة التشريعية من الداخل!
مقالات
«أحب القيود في معصميكِ»!
30-04-2013