على «المالية» البرلمانية تجاوز الصياغة الإنشائية وبيان الفائدة المرجوة من التعديل إن وجدت 

Ad

ينبغي على اللجنة المالية إذا أصدرت تقريراً بالموافقة على تعديل قانون المديونيات أن تبين ما يترتب عليه من كلفة متوقعة والفائدة المرجوة للاقتصاد منه، حيث إن تصريحات نوابها في هذا الإطار عمومية جداً، ولا تتعدى بعض العبارات المستهلكة.

عادت إلى الواجهة من جديد قضية تعديل قانون المديونيات الصعبة رغم اعلان مقرر اللجنة التشريعية في مجلس الأمة النائب يعقوب الصانع قبل نحو اسبوعين عن اتفاق بين اللجنتين التشريعية والمالية على سحب القانون.

ولعل تعديل قانون المديونيات يمكن ان يصنف بجدارة على انه احد اسوأ القوانين التي يدرسها مجلس الامة الحالي، فتكلفته المتوقعة حسب اعلان الهيئة العامة للاستثمار تبلغ 3 مليارات دينار اي ما يوازي 4.8 اضعاف كلفة الغرامة التي سددتها الكويت امس الاول لمصلحة شركة داو كيميكال و4 اضعاف تكلفة صندوق الاسرة الخاص بإسقاط فوائد القروض عن المواطنين، فضلاً عن كونه تعديلا على قانون لا حاجة للاقتصاد بتعديله.

فالتعديل على القانون الذي اعتمدته اللجنة المالية في مجلس الامة يضيف مادة جديدة إلى القانون رقم 41 لسنة 1993 بشأن شراء الدولة لبعض المديونيات وكيفية تحصيلها، مع تعديل المادة 2 من القانون 42 لسنة 1988 بشأن تصفية الأوضاع الناشئة عن معاملات الأسهم بالأجل.

وتتيح التعديلات للمدينين المشهر افلاسهم، والذين تخلفوا عن السداد نحو 20 عاما، المعاملة بنفس الطريقة التي تم التعامل بها مع المدينين الذين سيلوا اصولهم او اولئك الذين دخلوا في برنامج الصلح الواقي، وبالتالي يعفى جميع المتخلفين عن السداد من الفوائد وغرامات التأخير ومصاريف الادارة، وهو امر ينافي العدالة في التمييز بين من سدد ومن تخلف، فضلا عن امكانية طعن الملتزم بالسداد منذ 20 عاما بطلب التعويض كما هو الحال مع المتخلف عن السداد، وهنا قد يتم رفع دعاوى تعويضات بمئات الملايين من الدنانير من أشخاص يطالبون باسترداد المصاريف والفوائد وفقاً للقانون المعدل اذا تم اقراره.

وحدد رد الهيئة العامة للاستثمار، بصفتها الجهة المديرة لملف المديونيات الصعبة منذ نحو 20 عاما، مجموعة من المخاطر على الاقتصاد المحلي في حال تعديل القانون، اهمها ان تعديل قانون المديونيات فيه اهدار شديد لمبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص بين المواطنين الكويتيين، ويفتح الباب على مصراعيه أمام العديد من المنازعات القضائية ضد الهيئة العامة للاستثمار ووزارة المالية والحكومة بوجه عام، للمطالبة بالمساواة بحق من سبق تطبيق أحكام القانون رقم 41 لسنة 1993 عليه.

دعاوى تعويض

وقالت هيئة الاستثمار إنه من المتوقع ان يتمخض عن تعديل القانون دعاوى تعويض يقيمها العملاء الذين سبق أن التزموا لدى بدء العمل بأحكام القانون رقم 41 لسنة 1993، وبادروا إلى سداد مديونياتهم إلى الدولة دون تأخير، مما اضطرهم، آنذاك، إلى بيع أصولهم بأسعار زهيدة مقارنة بما آلت إليه أصول من قضي بإشهار إفلاسهم ولم يلتزموا - رغم زيادة أسعار تلك الأصول - إلا بسداد قيمة السداد النقدي الفوري دون فوائد.

أي أننا امام تعديل لقانون يمكن ان يفتح الباب لأزمة اقتصادية وقضائية لا يعلم احد الفائدة المرجوة منها، خصوصا ان بعض النواب يحاول التدليس بأن تعديل القانون سينتج عنه تحقيق درجة من الرخاء الاقتصادي وهو امر مردود عليه كون القانون يحقق فائدة لعدد بسيط من الاشخاص المتعثرين الذين لا يتجاوزون 50 شخصاً في حين ان من يمكن ان يعودوا برفع قضايا تعويض على الدولة نتيجة التزامهم بالسداد ورغبتهم في الاستفادة من القانون بعد تعديله يمكن ان يصل الى مئات الاشخاص وهو الذي ستبلغ كلفته النهائية نحو 3 مليارات دينار.

نص إنشائي

وكان التقرير السابق للجنة المالية بشأن المديونيات الصعبة دمجا لاقتراحين نيابيين، الا انه لم يحتو على أي رقم يشير الى الكلفة المتوقعة من اقرار قانون كهذا، بل غلب عليه النص الانشائي، حتى ان المذكرة الايضاحية لم تتطرق الى الكلفة مع ان كلفة التعديل والاضرار المتوقعة من رفع دعاوى تعويض ضد الدولة تعتبر ركنا جوهريا في الموافقة على القانون او معارضته، وهو ما يفتح المجال لكثير من الاسئلة حول القانون، والفائدة التي يمكن ان تجنيها الدولة من تعديل قانون قد يفتح عليها باباً من الطعون بلا فائدة اقتصادية معروفة.

اليوم عاد التقرير الى اللجنة المالية مرة اخرى، وعليها ان اصدرت تقريرا بالموافقة على القانون ان تبين الكلفة المالية المتوقعة لهذا التعديل والفائدة المرجوة للاقتصاد من التعديل، فتصريحات بعض نوابها عمومية جدا في هذا الاطار ولا تتعدى بعض العبارات العامة المستهلكة، خصوصا ان رد الهيئة العامة للاستثمار في هذه القضية كان محددا ومدعما بأسباب الرفض من النواحي المالية والدستورية.

وثمة اسئلة تتعلق بتعديل قانون المديونيات يجب ان يتضمنها اي تقرير للجنة المالية عن تعديل القانون، مثل كيفية المساواة بين الصلح القضائي والصلح الواقي من الإفلاس والموقف القانوني لمن صدرت لهم احكام صلح قضائي، وقاموا بسداد اصل الدين والفوائد والغرامات ومصاريف الادارة، فضلاً عن شرح مبررات تعديل قانون بعد 20 عاما من اصداره، ولماذا تتم مساواة من التزم وسدد بمن لم يلتزم طوال هذه المدة، خصوصا ان المساواة هنا تأتي في صيغة ظلم، كونها لصالح من لم يلتزم على حساب من التزم.

ولا قيمة لأي حديث عن مخاطر اسقاط الفوائد عن المواطنين ولا الحديث عن رفض زيادة علاوة الاولاد او القرض الاسكاني او بدل الايجار او غيرها من الاقتراحات الشعبوية الاستنزافية لاموال الدولة - رغم سلبياتها المالية والاجتماعية الكثيرة - في ظل الموافقة على تعديل قانون المديونيات الصعبة، كونه اكثر استنزافا للأموال وأكثر إضرارا بقيمة العدالة والمساواة بين المواطنين.

وحتى هذا الوقت، فإن الموقف الحكومي، ممثلا في وزير المالية والهيئة العامة للاستثمار، صلب وجيد في مواجهة اللجنة المالية البرلمانية، إلا اننا تعودنا كثيرا على تراجع الحكومة عن الرأي الفني المدعم بأرقام لصالح كسب موقف سياسي وقتي على حساب ما كانت تدافع عنه سابقا، وهو ما تجلى في تراجعها الأخير بموافقتها على صندوق الاسرة لكسب البرلمان.