في ربيع عام 2000، وقف ميان محمد نواز شريف في إحدى زنزانات سجن حصن أتوك الشهير في باكستان بينما راحت مجموعة من الصحافيين المحليين والدوليين تتأمله، فبعد أن سجنه قائد الجيش الذي عينه، بدا شريف محبطاً تماماً ومثيراً للشفقة، يا له من انقلاب جذري بالنسبة إلى رجل كان قبل سنتين رئيس وزراء جمهورية باكستان الإسلامية وقائداً منتخباً ديمقراطياً يتمتع بتأييد الأكثرية البرلمانية، التي واجهت الجيش وأجرت أولى التجارب النووية العلنية في هذا البلد.
لكن العقوبات الاقتصادية الأميركية، التي ترتبت تلقائياً على هذه التجارب، نغصت حياة شريف، وسرعان ما تدهورت علاقة شريف مع الجنرال برويز مشرف، الذي عينه قائداً للجيش، فيما شن هذا الأخير ما دعاه شريف عملية عسكرية سرية في منطقة كارغيل في كشمير كادت تدفع بباكستان والهند إلى حرب رابعة.عندما أطاح به مشرف في شهر أكتوبر عام 1999، كان شريف قد أصبح مكروهاً جداً في باكستان، فقد انهار اقتصاد البلد، كذلك أفسد شريف علاقاته بكثيرين، خصوصاً رئيس المحكمة العليا، معرباً دوماً عن نزعة استبدادية. كانت زعيمة المعارضة بنازير بوتو قد قررت العيش في منفى اختياري، في حين كان زوجها، رئيس باكستان الحالي آصف علي زرداري، ملقى في السجن. نتيجة لذلك، تخلى عنه عدد من أعضاء حزبه وانضموا إلى معسكر مشرف. وبحلول نهاية عام 2000، كان شريف يعيش في المنفى في المملكة العربية السعودية، بعد أن انهارت مسيرته السياسية.لكن أسهم شريف عاودت الارتفاع اليوم، فبعد أن رجع إلى باكستان منذ خمس سنوات، يُعتبر اليوم المرشح الأوفر حظاً لتبوء منصب رئيس الوزراء الباكستاني المقبل.ولكن كي يتمكن شريف من الإمساك مجدداً بزمام السلطة، يتعين على حزبه السياسي، "الرابطة الإسلامية الباكستانية- نواز"، أن يحتوي حزب "تحريك الإنصاف" الباكستاني الناشئ الذي يقوده نجم الكريكيت السابق عمران خان. فبعد 15 سنة من الإخفاق السياسي، ينافس حزب "تحريك الإنصاف" اليوم حزب شريف في معقله البنجاب.تضع معظم استطلاعات الرأي العامة حزب "الرابطة الإسلامية الباكستانية- نواز" في أعلى قائمة الأحزاب الوطنية، وتُظهر أن شريف يتمتع شخصيّاً بشعبية عالية، لكن قليلين يعتقدون أن "الرابطة الإسلامية الباكستانية- نواز" أو أي حزب آخر قد يفوز بأكثرية مقاعد الجمعية الوطنية، ويتمكن من تشكيل حكومة بمفرده. تشهد باكستان اليوم، على غرار الهند، حقبة من الحكومات الائتلافية. إذن، قد لا يتمكن حزب خان من التفوق على "الرابطة الإسلامية" في عدد المقاعد، إلا أنه قد يحصل على ما يكفي من المقاعد ليحرمها من القدرة على تشكيل ائتلاف، حتى لو حظيت بالشعبية الضرورية. تمكن حزب الشعب الباكستاني، الذي يقود الائتلاف الحاكم الحالي، من البقاء في السلطة رغم علله وأدائه المتواضع وشركاته المتقلبة. ولكن تبدو ائتلافات الرابطة الإسلامية اليوم محدودة، لأنها تقتصر على الأحزاب الإسلامية، مثل جماعة علماء الإسلام-فضل. وقد لا يكون ذلك كافياً لتحظى بنسبة الخمسين في المئة الضرورية.إذا تمكنت "الرابطة الإسلامية الباكستانية- نواز" من الإمساك بالسلطة على المستوى الفدرالي، فستجد نفسها في مواجهة جبهتَي معارضة: واحدة يقودها حزب "الشعب الباكستاني" إلى اليسار، والأخرى حزب "تحريك الإنصاف" بقيادة خان إلى اليمين. كذلك قد تُضطر إلى الاعتماد على شركاء إسلاميين يدفعون بها نحو المزيد من التحفظ، ما يجعل المجتمع الدولي قلقاً ويعيق حملة باكستان ضد المتطرفين العنيفين.كي تتفادى "الرابطة الإسلامية" الحصار وهي في السلطة، عليها على الأقل أن تفوز بالحد الأدنى من الأكثرية، ففضلاً عن الحد من تقدّم حزب "تحريك الإنصاف" في البنجاب ومنطقة هازارا في إقليم خيبر بشتونخوا، على "الرابطة الإسلامية" أن تفوز بمقاعد في مناطق خارج معاقلها، بما فيها ريف السند.تفاجأ كثيرون حين أصبح شريف الداعم الباكستاني الأبرز للسيطرة المدنية على الجيش؛ لذلك ينادي اليوم بالتخلي عن سياسات إسلام أباد التقليدية تجاه أفغانستان والهند. وعندما كان في المنفى، وقّع مع عدوته اللدودة بوتو ميثاق الديمقراطية الشهير، وهو مسودة للإصلاح السياسي في باكستان ومصدر عدد من التعديلات الدستورية الكبرى التي مررها البرلمان الحالي.إذا تسلمت "الرابطة الإسلامية" السلطة، فسيكون أكبر تحدٍّ تواجهه حكم دولة تعمها الفوضى. فتعاني باكستان من نقص في الأموال والطاقة، وترزح تحت ديون ضخمة وعدد كبير من الشباب الذين يريدون تعليماً عالي الجودة ووظائف، لكن هذه الرابطة تقوم في جوهرها على سياسيين تكنوقراط منتخبين يجيدون تطوير السياسات وتطبيقها.على نحو مماثل، تبدو الرابطة الإسلامية جادة في معالجتها نظام التعليم العام الباكستاني الفاسد. على سبيل المثال، في إقليم البنجاب الذي حكمته الرابطة منذ عام 2008، أنشأت للأولاد الفقراء المحليين شبكة من المدارس الرسمية التي تضاهي الخاصة. وإذا تسلم هذا الحزب السلطة على الصعيد الوطني، فقد أكد أنه سيعلن حالة طوارئ تعليمية كي يبدأ عملية إصلاح تهدف إلى التخلص من الأمية وتمكين نظام التعليم في باكستان بحلول عام 2025. لكن هذه "الرابطة الإسلامية" تخفق في الإعراب عن تصميم كافٍ لمحاربة التمرد الديني، الذي يستهدف الرجال والنساء والأولاد الباكستانيين كل يوم تقريباً. صحيح أن شريف انتقد رعاية الجيش لمجموعات مجاهدة، بما فيها مجموعات مقاتلة تنشط في أفغانستان والهند، إلا أن حزبه عقد في الوقت عينه (أكثر من الأحزاب السياسية الرئيسة الأخرى على ما يبدو) شراكات انتخابية مع منظمة أهل السنّة والجماعة، التي ارتبطت بشبكات جهادية أوسع، مثل الجماعتَين العنيفتَين "عسكر جنجوي" وحركة "طالبان" باكستان.يجب ألا تستند الأحكام على شريف و"الرابطة الإسلامية الباكستانية- نواز" إلى متغير واحد، فشريف وحزبه تركيبة معقدة تطورت كثيراً على مر السنين. ففي حالة منظمة أهل السنّة والجماعة، قد يعتبر البعض أن الحزب محكوم بالوقائع على الأرض التي يصوغها الجيش، لكن إراقة دماء الباكستانيين خلال السنوات الست الماضية تؤكد حقيقة أن الأصولية التي تدعمها الدولة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة تفكك النواة الباكستانية. ولن تتوقف عن ذلك، حتى لو كانت كل الأمور تسير على خير ما يُرام في الظاهر.عارف رفيق
مقالات
هل يعود نواز شريف إلى قيادة باكستان مجدداً؟
23-03-2013