اليوبيل الذهبي لأول جمعية نسائية في الخليج

نشر في 18-03-2013
آخر تحديث 18-03-2013 | 00:01
 د. عبدالحميد الأنصاري في صبيحة ذلك اليوم البهيج الثلاثاء 5 مارس 2013، وفي وسط أجواء تراثية شعبية عابقة بالروائح الزكية والموسيقى التي توقظ المشاعر والأحاسيس الراقية، احتفلت نساء الكويت بمرور 50 عاماً على إنشاء أول جمعية نسائية في الخليج تعنى بقضايا المرأة وشؤون تنمية المجتمع، وتدافع عن قضايا المرأة، وتسعى إلى الارتقاء بها ثقافياً واقتصادياً واجتماعياً، وتكافح من أجل حصولها على كامل حقوقها المشروعة.

واحتفاءً بهذه المناسبة السعيدة أقامت الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية احتفالية بهيجة حضرها جمع كبير من المدعوين والمدعوات من داخل البلاد وخارجها، حرص الجميع على حضور هذه الاحتفالية المشهودة للمشاركة في فعالياتها بسعادة، وكنت واحداً من هؤلاء السعداء الذين شاركوا فيها، إذ تشرفت بالدعوة الموجهة إلي، ورأيت فيها دعوة تكريم وتقدير لجهودي في الدفاع عن حقوق المرأة على امتداد 30 سنة في قطر وخارجها.

وقد أحسنت الجمعية، إذ نظمت حلقة نقاشية حول "دور جمعيات النفع العام في تنمية المجتمع"، فاستضافت 4 قياديات رائدات في العمل الاجتماعي من 4 دول لعرض تجاربهن في تنمية مجتمعاتهن، فتحدثت الشيخة مريم آل خليفة عن دور "جمعية الأمومة والطفولة" في البحرين، والتي تعد التوأم للجمعية النسائية الكويتية، ورائدة من رواد العمل الاجتماعي في الخليج.

تحدثت الشيخة مريم عن مشاريع الإقراض الصغير "المايكروستارت" بالتعاون مع حكومة البحرين والأمم المتحدة، كما تحدثت السيدة منى الفرا نائبة جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني بغزة، وهي أقدم جمعية نسائية عربية، عن دور مؤسسات العمل الأهلي في تنمية المجتمع ونضال المرأة الفلسطينية في ظل الاحتلال الإسرائيلي، وتحدثت الباحثة السودانية في قضايا التنمية والنوع الاجتماعي بمركز الجندر للبحوث والتدريبات، السيدة نعمات كوكو محمد عن التجربة الأهلية التنموية في السودان، وأخيراً تحدثت السيدة نجاة إخنيش من المغرب وهي رئيسة مؤسسة (YTTO) عن تجربة بلادها في العمل الاجتماعي التطوعي، وقد أثريت هذه الجلسة بأسئلة الحضور ومداخلاتهم ومناقشاتهم.

إن مسيرة الجمعية النسائية الكويتية مسيرة حافلة بالأنشطة والمشاريع والإنجازات الناجحة في مختلف الميادين التنموية، وبالأخص الطفولة والمرأة وتدريبها وإقامة الدورات وورش العمل لتطوير مهاراتها، وكذلك العمل على محو الأمية، وإنشاء دور حضانة نموذجية، وقد تكللت جهود الجمعية بحصول المرأة الكويتية على حقوقها السياسية ووصولها إلى البرلمان والوزارة ومختلف المناصب القيادية.

وتقديراً لهذه الجهود الكبيرة والمتواصلة، حصلت الجمعية على الصفة الاستشارية من الفئة الخاصة لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع لهيئة الأمم المتحدة، وأصبحت عضواً أساسياً وفاعلاً في الاتحاد النسائي العربي، على أن جهود الجمعية لم تقتصر على الساحة الكويتية بل امتدت بإسهاماتها ومشاركاتها إلى جاراتها الخليجيات وبقية الدول العربية، ولا يتسع المجال هنا لذكر هذه الإسهامات العظيمة، ولكنها نصف قرن من العطاء المتواصل والبذل المستمر والعمل المنتج التطوعي والخيري.

 وكل هذه الجهود لا يرجى من ورائها إلا مرضاة الله تعالى، وحب الخير والعمل التطوعي، وعشق الوطن والإخلاص للمجتمع، وتجسيد القيم والمثل العليا على أرض الواقع، والاستشعار بالمسؤولية الوطنية، والوفاء بالواجبات الاجتماعية وأداء الرسالة.

فهؤلاء الرائدات وهن مجموعة من أوليات الخريجات الكويتيات من الجامعات العربية، وقد عدن إلى الوطن متحمسات يحملن أحلاماً كبيرة، وجدن أنفسهن مطالبات بتطوير وضعية المرأة الكويتية والإسهام في تنمية المجتمع بجهودهن وخبراتهن وعلمهن، وكان المجتمع الكويتي في ذلك الوقت مجتمعاً منفتحاً على العالم ومتقدماً على دول الخليج، ومتقبلاً للفكر الحداثي وساعياً إلى التطوير والتغيير والتحديث.

فكان هذا عاملاً أساسياً– كما يقول الكتاب التذكاري للجمعية "50 عاماً من العمل من أجل المرأة والمجتمع" وهو كتاب متعوب عليه، من إعداد د. فاطمة عياد وفائزة العوضي– في ترحيب الدولة والمجتمع بفكرة إنشاء الجمعية النسائية عام 1963م لتكون أول جمعية نفع عام يتم إشهارها في الكويت.

 وهكذا استمرت مسيرة الجمعية، حتى إنها، وكما قالت الرئيسة الفخرية السيدة لولوة القطامي "لم تترك الجمعية حدثاً أو قضية من قضايا الوطن إلا كانت قي بؤرته"، على أن طريق الجمعية النسائية لم تكن مفروشاً بالورود، إذ كانت قوى الممانعة والمعارضة بالمرصاد، لكن الجمعية قبلت التحديات، ونجحت في تحقيق العديد من الأهداف، ومازالت المرأة الكويتية وجمعيتها تواجهان التحديات المختلفة.

الآن ما أهداف الجمعية؟ يلخص الكتاب التذكاري هذه الأهداف في: الدفاع عن حقوق المرأة وتوعيتها، وخدمة المجتمع، ورفع الوعي الصحي للمرأة والمجتمع، ورعاية الطفولة والأمومة ودعم المعسرين، ورعاية ذوي الاحتياجات الخاصة، وتشجيع الشباب على العمل التطوعي، والتعاون مع المنظمات المدنية في قضايا المرأة داخلياً وخارجياً، ومساعدة المتضررين من الكوارث، ولكن ما الآليات التي تتخذها الجمعية لتنفيذ هذه الأهداف؟

يذكر الكتاب التذكاري هذه الوسائل: 1- المطالبة بإزالة كل أشكال التمييز ضد المرأة في التشريعات والإجراءات الإدارية التنظيمية. 2- تنظيم الدورات وورش العمل والمؤتمرات المعنية بقضايا المرأة والمجتمع. 3- المشاركة في المؤتمرات في الداخل والخارج. 4- متابعة ما يجري في الساحة والمشاركة مع منظمات المجتمع المدني. 5- إعداد وإصدار الدراسات والأبحاث والنشرات حول المرأة و الطفل. 6- تنظيم الفعاليات الخيرية. 7- إقامة نوادٍ في المستشفيات التخصصية. 8- توفير البرامج الترفيهية والتعليمية للأطفال.

والتساؤل اليوم: هل تحققت أهداف الجمعية جميعها؟ وهل حصلت المرأة الكويتية على كامل حقوقها؟ في كلمتها قالت السيدة شيخة النصف، رئيسة مجلس إدارة الجمعية: إن الجمعية حققت العديد من المكتسبات والإنجازات، كما حصلت المرأة على الكثير من حقوقها، إلا أن المرأة مازال لديها بعض المشاكل مثل: مشكلة السكن للمتزوجة من غير الكويتي، أو التي لم تتزوج أو المطلقة والأرملة، وكذلك حق الكويتية في إعطاء جنسيتها لأبنائها، وتطوير قانون الأحوال الشخصية.

 كما أضافت السيدة لولوة القطامي بأن هناك الكثير من الإنجازات التي نفخر بها، لكن أمامنا الكثير من القضايا منها التي تعارض حقوق المرأة، وهذا يضاعف من مسؤوليات الجمعية وكافة منظمات المجتمع المدني.

 في تصوري أن منظمات المجتمع المدني هي أشبه بالشرايين التي يجري فيها السائل الحيوي المسمى بالديمقراطية، وإذا كان لا تنمية من غير ديمقراطية، فكذلك لا ديمقراطية من غير منظمات المجتمع المدني.

 لقد كانت هذه الاحتفالية التاريخية مناسبة عزيزة وغالية لاستذكار جهود الجمعية وإنجازاتها عبر مسيرتها الحافلة الطويلة، وكذلك لاستحضار تاريخ كفاح المرأة الكويتية من أجل نيل حقوقها السياسية.

 وهنا ونحن نستحضر تلك الحقوق علينا أن نتذكر بكل عرفان وتقدير جهود سمو أمير دولة الكويت حينما كان رئيساً للوزراء، وهو يواجه أغلبية نيابية معارضة لقانون حقوق المرأة السياسية، وذلك بعد سقوط المرسوم الأميري السابق والمتعلق بهذه الحقوق، كان يقف مؤكداً للصحافيين الذين كانوا يلحون بالسؤال عن مصير الحقوق السياسية للمرأة، فكان يجيبهم إجابة الواثق من نفسه: حقوق المرأة السياسية، "جاية جاية".

 علينا أن نستحضر تلك الوقفة التاريخية والتي كانت العامل الحاسم في حصول المرأة الكويتية على حقوقها السياسية كاملة- وإنها لمناسبة هامة لشد العزائم وتقوية الهمم لمواصلة المسيرة وبذل المزيد من الجهود نحو مستقبل أفضل للمرأة والمجتمع في منطقتنا.

 ختاماً: إن الدفاع عن قضايا المرأة، عمل نبيل ورسالة سامية لكل مثقف ذي ضمير حر، يقول المفكر السوري خالص جلبي، داعية اللاعنف "إن أعظم انعطافة في تاريخ الجنس البشري، حققتها المرأة، ففي الوقت الذي كان الرجل يطارد الفرائس، كانت المرأة تجلس لرعاية الصغار، فاكتشفت آلية عمل النبات، وبذلك مهدت الطريق إلى الثورة الزراعية ومن ثم الوصول إلى مجتمع المدينة".

* كاتب وباحث قطري

back to top