ما قل ودل: قانون الميزانية والحساب الختامي أقدم وأرقى وسائل الرقابة البرلمانية ( 3 من 4)

نشر في 06-10-2013
آخر تحديث 06-10-2013 | 00:01
 المستشار شفيق إمام استكمالاً للمقالتين المنشورتين على هذه الصفحة يومي الأحد 15 و22 سبتمبر الماضي، تحت العنوان ذاته، اللتين انتهينا فيهما إلى أن لجنة الخبراء العشرة في مصر قد اجتزأت المبادئ الدستورية التي تحكم الرقابة البرلمانية على الميزانية العامة للدولة في نص واحد تجنى على هذه الأحكام، وإذا كنا قد أشرنا في المقال السابق إلى الفراغ الدستوري الذي خلفه إغفال اللجنة النص على امتداد العمل بالميزانية القديمة، بعد بدء السنة المالية الجديدة إلى حين إقرار ميزانيتها، وقد يكون هذا الإغفال قد وقع سهواً، وهو عذر أقبح من ذنب من لجنة تعديل دستوري تضم كل هذه القامات القضائية الرفيعة، فإن ما سأتناوله في هذا المقال هو إهدار لمبادئ دستورية بنصوص صريحة كما يبين فيما يلي:

إهدار مبدأ سيادة القانون

يتحقق مبدأ المشروعية ومبدأ سيادة القانون، أو الدولة القانونية، بسيادة الدستور باعتباره القيد القانوني الأساسي لسلطات الحكم الثلاث، السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية يليه في التدرج، التشريع الذي تصدره السلطة التشريعية وتلتزم فيه بأحكام الدستور يليه اللوائح التي تتضمن، مثلها مثل التشريع، قواعد عامة مجردة، فهذه اللوائح تخضع أولا للدستور، فلا يجوز لها أن تخالفه، كما تخضع للتشريعات التي تصدرها السلطة التشريعية وتتدرج اللوائح في ما بينها في المرتبة، بحسب علو السلطة التي أصدرتها، تليها القرارات الفردية التي لا يجوز لها أن تخالف القوانين اللوائح.

وبذلك يعتبر إهدارا لمبدأ سيادة القانون ما تنص عليه المادة (99) من التعديلات الدستورية من أنه "وتصدر الموازنة بقانون يجوز أن يتضمن تعديلا في قانون قائم...".

وهو حكم يهدر مبدأ سيادة القانون والمشروعية، لأنه يساوي في المرتبة بين قانون الميزانية وسائر القوانين، وهو قانون له طبيعة خاصة تجعله في مرتبة أدنى من مرتبة القوانين، فلا يملك تعديها فهو قانون من حيث الشكل، أما من حيث موضوعه، فهو بيان حسابي بتحديد إيرادات الدولة من مصادرها وتوزيعها على مصارفها العامة، بما يكفل سير مرافق الدولة في فترة محددة من الزمن مدتها سنة مالية واحدة.

وهذا العمل بطبيعته عمل تنفيذي إداري، ولكن لأهميته ولتحمل أفراد الأمة أعباءه وآثاره تقرر أن يصدر من السلطة التشريعية بقانون، بيد أنه لا يعدو أن يكون قانوناً شكلياً ذا طبيعة خاصة، يمتنع عليه أن يتضمن أي قواعد قانونية موضوعية.

فقانون الميزانية ينفرد بطبيعة خاصة مغايرة لسائر القوانين لما يتسم به من فوارق بينها من حيث موضوعه وأثره، ومرتبته بين القوانين، فهو أقل مرتبة من القوانين، لأنه لا يتمتع بخواص القوانين وطبيعتها، فهي تضع قواعد عامة ومجردة تحكم حياة الناس ومعاملاتهم، أما قانون الميزانية فهو لا يتضمن قواعد عامة ومجردة.

فلا يجوز له أن يتضمن حكما موضوعياً، لا صراحة ولا ضمناً، أو يتضمن تعديلا لقانون قائم أو إنشاء ضريبة جديدة أو زيادة في ضريبة سارية، أو تعديل قانون قائم، أو تفادي إصدار قانون خاص في أمر نص الدستور على وجوب صدور قانون في شأنه، لأن قانون الميزانية أدنى مرتبة من القوانين العادية.

إهدار مبدأ عدم رجعية القوانين

ولا يجوز لقانون الميزانية المساس بمبدأ سنوية الميزانية أو مبدأ وحدتها، ولا تعديل تاريخ بدئها وانتهائها.

لذلك لا يقتصر النص في الدستور على إهدار مبدأ سيادة القانون، بإجازة تعديل القوانين القائمة، وهو أقل مرتبة منها، بل ينطوي كذلك على إهدار لمبدأ دستوري هام هو أن الأصل العام هو عدم جواز الارتداد بالقوانين بأثر رجعي، وهو مبدأ أقرته الأديان السماوية في قوله تعالى "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً". صدق الله العظيم.

لأن قانون الميزانية يرتد بأثر رجعي إلى بدء السنة المالية، إذا تراخى إقراره إلى ما بعد هذا التاريخ، دون تطلب أغلبية خاصة لإقراره بسبب الأثر الرجعي، وذلك لطبيعته الخاصة، فهو يحكم السنة المالية من بدايتها إلى نهايتها.

فإذا تضمن قانون الميزانية تعديلا لقانون قائم فإن هذا التعديل سوف يرتد بدوره إلى أول السنة المالية أي إلى الماضي بما يهدر مبدأ عدم رجعية القوانين.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top