تقرير اقتصادي: اقتصاد الكويت يدخل 2013 بمشكلات عمرها 30 عاماً... العلة في الإدارة
«المركز المالي» منذ 9 سنوات وخطة التنمية منذ 4 سنوات... ولا إنجاز يذكر
بات الحديث عن المشكلات الاقتصادية الهيكلية مكرراً ومملاً إلى حد كبير؛ فكل العلل الاقتصادية والمالية والخدمية في الكويت ترجع في الأصل إلى سوء الإدارة. مع دخول عام 2013 تتصاعد التحديات التي تواجه الاقتصاد الكويتي عاما تلو الآخر لتتشكل على طاولة الحكومة مجموعة من الملفات القديمة- الجديدة، والتي بات بعضها لا يحتمل التأجيل وبعضها الآخر يحتاج الى قرار دولة حقيقي يكسر المألوف ويشجع انماطاً جديدة من الحياة الاقتصادية القائمة حاليا على المفهوم الريعي.ورغم تعدد الملفات الاقتصادية فإنها برؤية عامة ترتبط ارتباطا وثيقا بطريقة الادارة التي تشرف عليها، لذلك فمن المنطقي القول إن أغلبية القضايا التي نعيشها اليوم خصوصا على صعيد الخدمات الاساسية كالتعليم والاسكان والصحة بدأت قبل 30 عاما كمشكلة صغيرة، ثم تطورت الى ازمة في وقتنا الحالي، وقد تتطور حسب التوقعات الاقتصادية المحلية والدولية الى كوارث خلال 8 الى 18 عاما مقبلة.وبات الحديث عن المشكلات الاقتصادية الهيكلية كتنامي الميزانية نحو 4 اضعاف خلال 10 سنوات او غياب فلسفة الانفاق السليمة وغيرهما من المظاهر السلبية مكررا ومملا الى حد كبير، فكل العلل الاقتصادية والمالية والخدمية في الكويت ترجع في الاصل الى سوء الادارة التي تفتقر الى رؤية واضحة في التنفيذ، الى جانب حسابات سياسية، فما يقوله الاقتصاديون في التقارير العالمية هو ذاته ما يردده الوزراء المسؤولون عن الملف الاقتصادي في الحكومة، بل هو كذلك ما ينعكس في بيانات مجلس الوزراء، الا ان التنظير شيء والتنفيذ شيء آخر تماما.ووصل الأمر إلى حد أن تقرير اللجنة الاستشارية الاقتصادية، الذي يصنف كأفضل التقارير الاقتصادية الحكومية في وصف المشكلة والعلاج والذي صدر قبل عام، لم يأخذ حقه في التنفيذ رغم ان الحلول المبدئية الواردة فيه تحتاج إلى مجرد قرارات وزارية او من مجلس الوزراء على الأكثر لا إلى تشريعات من مجلس الأمة يمكن ان تعطلها الأزمة السياسية.مشروع دولة الأهم من هذا كله ان الكويت اليوم بحاجة الى مشروع دولة حقيقي ونموذج انجاز مقنع، فالمشاريع السابقة باتت اضحوكة لشريحة كبيرة من الناس بسبب سوء الادارة، ولنتذكر أن مشروع تحويل الكويت الى مركز تجاري ومالي مضى عليه 9 سنوات وأن مشروع خطة التنمية مضى عليه 4 سنوات، وهما مدتان كافيتان لنتبين جدية الحكومة في مشاريعها الاطارية العامة اذا ما قارنّا الرؤية بالتنفيذ.ويمكن لنموذج الإنجاز المطلوب مهما كان صغيرا ومحدودا في بيئة معينة، ان يشكل مثالا للنجاح وسط متوالية الفشل الحكومي، وهنا تبرز الحاجة الى مشروع الدولة المدعوم بوفرة الأموال وجودة الإدارة، وفي الحقيقة فإن المال موجود بقدر فقدان الادارة السليمة، لذلك يتعثر أي مشروع أو رؤية جديدة رغم أن ثمة دولاً تنجح في مشاريعها رغم شح الأموال، لكنها بجودة الادارة والتسويق تمكنت من استقطاب الأموال، وهذا ما حصل في سنغافورة وماليزيا وغيرهما من دول شرق آسيا.تحديات كثيرة تواجه الاقتصاد الكويتي وما يرتبط به من قوانين ومشاريع، فمن اشكالية النفط ونسبة الاعتماد عليه كمورد اساسي للدخل وبالتالي ضعف الايرادات غير النفطية واختلالات الإنفاق في تبويب الميزانية الى تحديات البنية التحتية والخدمات الاساسية وقضايا الشباب والعمل والمشروعات الصغيرة، وانتهاء بالقدرة على تنفيذ قانون الشركات والنجاح في تخصيص «الكويتية» -بعد إقرارهما – كما أن ثمة عدداً ضخماً من القضايا والإشكاليات عانت منذ سنوات غياب الرؤية ونهج الإدارة السليم.عام 2013ما يميز عام 2013 عن غيره هو دور مجلس الأمة، فمؤيدو المجلس الحالي يعتبرون ان الحكومة تخلصت من اي ضغوط يعتبرونها «تأزيمية» كانت تعوق حركتها في السابق، اما المعارضون للمجلس الحالي فيرون في مجلس الأمة الحالي ألعوبة بيد السلطة التنفيذية، مما يعني انها تستطيع تنفيذ كل ما تريد وبلا قيود وفي الحالتين – المعارضة أو التأييد - هناك قناعة في مختلف الأوساط بأنه لا عذر للحكومة في اي فشل مستقبلي مهما كان محدودا، خصوصا انها ادخلت البلد في ازمة سياسية عميقة لتصل الى الشكل الحالي في السلطة التشريعية وبالتالي، فالفشل سيكون مقترنا بها لا بغيرها.لم يعد الحديث عن الإصلاح الاقتصادي ترفاً ولا تنظيراً، فالسلعة الاساسية التي نعتمد عليها في ايراداتنا وهي النفط لا نتحكم في اسعارها بل يتحكم فيها اقتصاد عالمي يعاني اصلا حالة عدم يقين في ظل ازمة مالية هزت كبرى المؤسسات المالية، في حين تتصاعد مستويات الإنفاق في الكويت، ولعل خطوة زيادة نسبة الاستقطاع بواقع 25% بدلا من 10% من الايرادات النفطية لمصلحة صندوق احتياطي الأجيال يمثل ومضة ضوء في طريق اصلاح الاختلالات، الا أن ذلك يجب ان يتطور من مجرد قرار لمجلس الوزراء خاص بسنة واحدة الى نهج دائم لتعزيز ثقافة الادخار في الميزانية التي طغت عليها فلسفة الإنفاق الاستهلاكي، مادام الانفاق الاسثماري على البنية التحتية والمشاريع غائبا عن عقلية الدولة.بل إن العقلية التي تدير مجلس الوزراء مطالبة بفك التشابك بين العديد من المفاهيم المغلوطة، كي تتمكن من العمل على اسس سليمة، فما نحتاجه في المستقبل القريب مثلا، فرص عمل لا وظائف، ودعم للاقتصاد لا انقاذ للشركات، وتحديد مفهوم للتنمية يختلف تماما عن البنية التحتية او حتى بيئة الاستثمار، إذ إن هذا اللغط في المفاهيم يجعل العمل على الخطط اصلا غير ذي جدوى.كل ما تعانيه الكويت اليوم يرتبط بسوء الادارة، والذي ادى خلال عامين الى تعثر الدولة عن تقديم أهم خدمة لأهم شريحة فيها عندما عجزت الجامعة عن قبول طلاب في مقتبل العمر، فقدمت نموذجاً -مضحكاً مبكياً – على استفحال سوء الإدارة، لدرجة تمنع القائمين على التعليم من قراءة مخرجات التعليم العام ومقارنتها بمدخلات التعليم العالي!