تتعلق المسألة المحورية في الملف الإيراني بطبيعة العرض النووي الذي يجب تقديمه، فيما يتركز معظم الانتباه على كيفية زيادة الضغط على طهران، يجب أن تترافق العقوبات المشددة مع مكافآت أكبر بما يختلف عن الاستراتيجية السابقة التي كانت تقضي بالتركيز على تدابير محدودة لبناء الثقة تزامناً مع إبقاء قواعد اللعبة النهائية غامضة.

Ad

لم يتأثر القادة الإيرانيون ولا الرأي العام (في إيران وحول العالم) بالحوافز المتواضعة التي عُرضت على إيران خلال محادثات بغداد في عام 2012، ويُقال إن العرض "المتجدد" الذي أجمعت عليه القوى النافذة (بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، روسيا، الولايات المتحدة) ليس أكثر سخاءً.

 ولا عجب أن يطرح الجميع في هذه الحالة السؤال الآتي: ما الذي يدفع إيران إلى عقد اتفاق ما دامت لا تحصل على منافع حقيقية؟

أصرّت إيران على كسب منفعتين من الصفقة: رفع العقوبات وحق التخصيب النووي. سيكون الاتفاق أقرب إلى الواقع إذا تمت معالجة هذه المسائل عبر تقديم عرض سخي، لكن قد يكون رفع العقوبات أصعب من منح حق التخصيب النووي، فاعتادت الولايات المتحدة وأوروبا في ملفات كثيرة (بدءاً من بورما وصولاً إلى زيمبابوي) على رفع العقوبات على مراحل عدة شرط توافر أدلة واضحة على الالتزام بتغيير المواقف قبل عرض أي مكافآت، وسيكون الأسلوب مشابهاً حتماً مع إيران نظراً إلى سجل الجمهورية الإسلامية الشائب في مجال تنفيذ القرارات وتعليق الاتفاقيات السابقة سريعاً.

على صعيد آخر، تبدو توقعات إيران من رفع العقوبات غير واقعية. تواجه إيران وضعاً اقتصادياً متدهوراً وينجم ذلك في المقام الأول عن سياسات الحكومة الفاشلة، مثل زيادة عرض النقود بنسبة 80% تزامناً مع تنامي الإنتاج بنسبة 6%، ما أدى إلى ارتفاع معدل التضخم بشكل استثنائي. يتوقع الرأي العام والنخبة الحاكمة أن يكون رفع العقوبات أشبه بتركيبة سحرية لإنهاء جميع المشاكل الاقتصادية مع أن النتيجة الفعلية ستكون متواضعة طالما يبقى الفساد مستفحلاً، وطالما تعيق الدولة بأسلوبها الإداري الشائب تقدّم قطاع الأعمال، وطالما تتوافر الائتمانات إلى الأشخاص الذين يملكون معارف سياسية نافذة بدل وصولها إلى الأطراف التي تطرح خطط عمل فاعلة.

باختصار، لن تُرفَع العقوبات عن إيران في مرحلة مبكرة، وقد يشعر الإيرانيون بأنهم لم يحصدوا المنافع التي توقّعوها، ما ينسف فرص أن تعقد إيران أي اتفاق.

في ملف التخصيب، لطالما كان الموقف الأميركي أكثر مرونة مما يظن الجميع، في عام 2011، صرّحت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب: "كان موقفنا يقضي بأن تحصل إيران على حق التخصيب تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية إذا تجاوبت طهران مستقبلاً، في ظل الظروف الصعبة التي تواجهها، مع مخاوف المجتمع الدولي ووافقت على وقف برنامج تصنيع الأسلحة النووية نهائياً". بالتالي، يمكن أن توافق الولايات المتحدة على التخصيب الإيراني.

عملياً، طبّقت القوى الغربية حيلة قديمة لإعادة إحياء المحادثات العالقة: تغيير المعطيات. لطالما كان وقف التخصيب الإيراني المطلب الأساسي للتوصل إلى نهاية معينة في هذا الملف، لكنّ الهدف الفعلي هو إبعاد إيران قدر الإمكان عن احتمال كسب إمكانات لتصنيع أسلحة نووية. منذ اقتراح عام 2011 بشأن مفاعل الأبحاث في طهران، أصبحت خطوط الاتفاق أكثر وضوحاً: إذا وافقت إيران على شحن أي كمية من اليورانيوم المخصّب فور إنتاجها، ستتماشى هذه الخطوة مع الأهداف الغربية وسيصبح الوضع مشابهاً لما كان سيحصل لو أنّ إيران دمّرت أجهزة الطرد المركزي الراهنة مع الاحتفاظ بالمعارف والمنشآت اللازمة لصنع تلك الأجهزة حين تشاء.

أكبر خطأ يمكن ارتكابه في أي اتفاق مع إيران هو التكيّف مع طموحاتها الإقليمية، إذ يجب أن توضح القوى الغربية أن أي اتفاق مع إيران لا يغيّر رفضها القاطع لموقف إيران المعادي تجاه وجود إسرائيل، وقد اتضح موقفها هذا عبر مليارات الدولارات النقدية والأسلحة التي وفّرتها إيران على مر العقود إلى أي جماعة مستعدة لقتل المدنيين الإسرائيليين. كذلك، قد يتفاجأ بعض الأميركيين حين يعلمون أنّ أي عرض يُقدَّم إلى إيران سيكون متعلقاً أيضاً بالحلفاء العرب للولايات المتحدة بقدر ما يتعلق بإسرائيل.

تشعر الأنظمة الخليجية بالقلق من عقد اتفاق محتمل يعترف بأهمية إيران الإقليمية، ويعيد تجديد التعاون بين الولايات المتحدة وإيران على حساب الدول الخليجية، ما يذكّرنا بالعلاقة الأميركية مع الشاه علماً أن الأنظمة الملكية شعرت حينها بأن تلك العلاقة أساءت إلى مصالحها بشدة.

يترافق العرض السخي مع مخاطر عدة طبعاً، فقد توافق إيران على الشروط في المبدأ قبل أن تبدأ بالمرواغة تزامناً مع متابعة برنامجها النووي، ما يعني أنّ أي عرض يجب أن يترافق أيضاً مع إحراز تقدم سريع على الأقل لكبح الطموحات النووية الإيرانية، لكن ثمة خطر آخر: قد تستغل إيران أي تنازلات للمطالبة بالمزيد مع الامتناع عن تقديم أي شيء في المقابل، ما يعني إضعاف موقف القوى الغربية في التفاوض وعدم اتخاذ أي خطوة فاعلة لإقناع إيران بعقد اتفاق حقيقي.

لكنّ الخطر الأكبر هو أن ترفض إيران العرض، ما يكشف بكل وضوح عن خداعها، فإذا تابعنا المسار نفسه بعد ذلك من دون إحراز أي تقدم واضح، ستكون الولايات المتحدة قد رضخت ضمنياً لطموحات إيران النووية على الرغم من تعهد الرئيس أوباما الصارم والمدعوم من الكونغرس والحزب الجمهوري بعدم قبول نتيجة مماثلة لأي سبب، ولا شك أن إلزام البلد بمسار معين قبل أن نعود ونرفض الالتزام به سينسف مصداقية الضمانات الأمنية الأميركية حول العالم (في شمال شرق آسيا وشرق أوروبا مثلاً). كذلك، سيكون فشل الأميركيين في التحرك كفيلاً بتشجيع حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط على تدبّر أمورهم بأنفسهم: قد تقرر إسرائيل قصف إيران وقد يقرر الحلفاء العرب تطوير إمكاناتهم النووية الخاصة.

لطالما تحدث أوباما عن الأزمة النووية الإيرانية مؤكداً وجود "إطار زمني لحل هذه الأزمة دبلوماسياً، لكن بدأ ذلك الوقت ينفد"، ويجب أن تقدم الولايات المتحدة عرضاً سخياً لمعرفة مدى استعداد إيران لاقتناص الفرصة أو رفضها. إذا كانت إيران غير مهتمة بالعرض السخي، فيجب أن تتصرف الولايات المتحدة بحزم أكبر، إلى جانب عدد كبير من الشركاء الدوليين، وذلك بشكل علني أو سري.

Patrick Clawson باتريك كلاوسون