نبالغ إذا قلنا إنّ الرئيس أوباما "يقود من الخلف" في سورية، فقد يكون من الأفضل أن نصفه بأنه يُجَرّ من أذنه. ولكن بفعل الضغط الفرنسي وتبدل الآراء في واشنطن، بدأت الإدارة الأميركية تُرسل تدريجياً إشارات إلى أنها تدرك أنها لا تستطيع تفادي التدخل في الحرب الأهلية السورية إلى ما لا نهاية.
من بين شخصيات "الكونغرس" النافذة التي تمارس الضغط على الرئيس ليقدّم مساعدة أكبر للثوار الثوريين ويسلّحهم النائب مايك روجرز (ممثل ميتشيغان الجمهوري)، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب. يذكر روجرز: "يبدو التدهور في سورية بالغ السوء". ويعتبر أن انهيار الدولة السورية المحتمل وتراجعها نحو الفوضى يشكلان "أهم أولويات الأمن القومي في المنطقة في الوقت الراهن". ويضيف روجرز: "أشعر بقلق كبير من عدد عناصر تنظيم "القاعدة" و"حزب الله" وربما "حماس" الذين يشاركون في القتال. فإذا انهارت حكومة بشار [الأسد] بسرعة، تسقط سورية في حالة من الفوضى لن تؤدي إلى انتشار الأسلحة الكيماوية فحسب في أرجاء الهلال الخصيب المختلفة، بل أيضاً الأسلحة المتطورة التي قدمتها روسيا للأسد".يتابع روجرز موضحاً أن الولايات المتحدة لا تتمتع راهناً بأي نفوذ أو تأثير في ما يدور داخل سورية. وعلى الإدارة، في رأيه، أن تتأمل جيداً ما حدث في مالي وغيرها من الدول المجاورة بعد أن نُقلت مخازن الأسلحة الليبية إلى أرجاء المنطقة المختلفة.لكن درس مخازن الأسلحة الليبية يوضح أيضاً سبب تردد الإدارة الأميركية في تقديم مساعدات غير المعونة الإنسانية رغم الحصيلة المريعة. فقد لقي أكثر 70 ألفًا حتفهم في غضون سنتين. ويمكن اختصار معضلة أوباما بعنوانين ظهرا في صحيفة Washington Post هذا الأسبوع. أفادت الصحيفة يوم الثلاثاء الماضي، متحدثة عن الضغط المتنامي الداعي للتدخل: "الأمم المتحدة: تعجز الكلمات عن وصف الأزمة الإنسانية في سورية". وفي اليوم التالي، كتبت مراسلة Post الشجاعة ليز سلاي من مدينة حلب التابعة للثوار عن السبب الفعلي لرفض أوباما تقديم المزيد. فقد عنونت: "الشريعة الإسلامية تتأصل في سورية الخاضعة للثوار".يتركز خوف الإدارة الأساسي حول تدهور البلد الواضح وانزلاقها نحو الصراع الإثني. فعلى غرار دول كثيرة في المنطقة، تحرز المجموعات الإسلامية الأكثر تنظيماً تقدماً عسكرياً سريعاً. ومن هذه المجموعات الأخطر "جبهة النصرة"، قوة ثورية سورية لها على الأرجح روابط بتنظيم "القاعدة" وتعارض الانتخابات معتبرةً إياها "غير إسلامية". نتيجة لذلك، يبدو أساس معارضة الغرب تسليح الثوار ثابتاً في الوقت الراهن على الأقل، مع أن تقارير كثيرة تتحدث عن أن إيران وروسيا ترسلان السلاح لدعم نظام الأسد المحاصر.إذن، يصر الرئيس أوباما على رفضه، وكذلك الاتحاد الأوروبي الذي سيتمسك على الأرجح بحظره تقديم الأسلحة لسورية. يوم الثلاثاء الماضي، أخبر الأميرال جيمس ستافريديس، المسؤول الأعلى في القيادة الأميركية- الأوروبية، لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ بأن حلف شمال الأطلسي "يدرس مجموعة من العمليات" التي يمكنه تنفيذها في سورية. لكن موقف هذا الحلف الرسمي يبقى الرفض أيضاً. فقد أخبر الكولونيل مارتن داوني، متحدث باسم حلف شمال الأطلسي، National Journal يوم الأربعاء: "لم يضع الحلف ككل خططاً للتدخل العسكري في سورية".رغم الأصوات التي ترتفع مطالبة بالتدخل، يشير المراقبون الأميركيون أيضاً إلى أن القتال الراهن في سورية يشمل عدداً من أعداء الولايات المتحدة الذين يحارب بعضهم بعضاً: فقد انضم إلى المجاهدين السنّة المقاتلون السنّة العراقيون، عابرين الحدود، وهم يقاتلون أحياناً "حزب الله" الشيعي، فضلاً عن حكومة الأسد. ولولا عشرات الآلاف من الأبرياء الذين يسقطون بين قتلى وجرحى، قد يُعتبر هذا الصراع "ربحاً صافياً" في هذه المرحلة وفق "الحسابات القاسية للمصلحة القومية"، حسبما يوضح دوغلاس أوليفانت، المدير السابق لشؤون العراق في مجلس الأمن القومي خلال عهدَي بوش وأوباما.تذكر الحكومة الفرنسية، التي تلمّح بوضوح إلى أنها قد تمدّ الثوار علانية بالسلاح، أن الكارثة الإنسانية باتت أكبر من أن نتجاهلها، ومخاطر انتقال العدوى (عدوى حرب إقليمية أشمل بدأت تزحف نحو تركيا ولبنان) صارت أكبر من مخاطر تسليح الثوار. لذلك تحض فرنسا الولايات المتحدة كي تبدل على الأقل لهجتها وتهدد بتزويد الثوار بالسلاح بهدف الضغط على بشار الأسد وإرغامه على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. ويبدو أن وزير الخارجية جون كيري بدأ بتطبيق هذه النصيحة خلال هذا الأسبوع. فقد قال: "لا تقف الولايات المتحدة في طريق الدول الأخرى التي اتخذت قرار تقديم السلاح، سواء كانت فرنسا أو بريطانيا أو أي دولة أخرى". وأضاف أن الحرب قد تحولت إلى "كارثة عالمية".إذا لم يتخذ أوباما الخطوات اللازمة، فهو بذلك يعرض مصداقيته للخطر، مهدداً بقايا القيادة الأميركية في منطقة سعى الرئيس للانسحاب منها. ففي شهر أغسطس الماضي، أعلن أوباما أن استخدام الأسد الأسلحة الكيماوية "خط أحمر" بالنسبة إليه. وذكر: "قد يبدل هذا حساباتي". ولكن رغم تراكم الأدلة على أنها استُخدمت فعلاً، ما زالت الإدارة تراوغ. أعلن مسؤول أميركي معني بتتبع المعلومات: "نبحث بدأب، إلا أننا لا نستطيع تأكيد هذه التقارير راهناً". أما روجرز، فيعتقد أن ثمة "احتمالاً كبيراً" أن تكون هذه الأسلحة قد استُعملت، غير أنه لا يملك أدلة إضافية. يتابع روجرز: "إذا كان الرئيس يحتاج إلى بضعة أيام للتأمل في شتى التفاصيل، فأنا أدعمه". ولكنه استدرك مضيفاً: "عندما تقول إن أمراً ما خط أحمر، فلا يمكن أن يكون وردياً أو منقطاً أو وهمياً".استخلص تقييم صدر عن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية أن اقتراح الإدارة الأخير تسليح الثوار بأسلحة صغيرة (من النوع الذي يشعر المسؤولون الأميركيون أنهم يستطيعون إعطاءه للثوار بلا خوف) لن يكون كافياً لتغيير كفة الصراع. يخشى مسؤولون أميركيون وإسرائيليون من أن تزويد الثوار بأسلحة كبيرة وفتاكة، مثل صواريخ مضادة للدروع أو أرض جو، قد يكون خطيراً لأنها قد تُستخدم ضد أهداف أميركية، أو إسرائيلية، أو تجارية إن وقعت بين يدي الإرهابيين. يقول كريس دوغرتي، خبير في مركز تقييم الاستراتيجيات والموازنة في واشنطن إن الأسلحة "المثالية" لتسليح مجموعات المعارضة السورية (مثل أنظمة الدفاع الجوية المحمولة التي يمكن أن تتصدى لسيطرة قوات الجو السورية على السماء، الأسلحة الموجهة المضادة للدبابات مثل جافلين FGM-148، وقذائف الهاون الموجهة بواسطة نظام تحديد المواقع أو الليزر) هي الأسلحة ذاتها التي "يُحتمل أن تُستخدم ضدنا".لكن دبلوماسياً أوروبياً ذكر أن مناقشات "تدور في باريس ولندن" هدفها تزويد الثوار بأسلحة أكبر، مثل دبابات يمكن مراقبتها والتحكم فيها وتتطلب إمداداً مستمراً من قطع الغيار والذخيرة، وذلك بالاستعانة بقنوات موثوق بها مثل الجنرال سالم إدريس، الذي انشق عن جيش الأسد في شهر يوليو الماضي وصار اليوم قائد القيادة العسكرية الموحدة في الجيش السوري الحر. وأضاف هذا الدبلوماسي الذي طلب عدم ذكر اسمه: "نعتبره مؤشراً جيداً. ثمة أسلحة، مثل الذخيرة، يمكن تقفي أثرها. فمن الأسهل منح الثوار دبابة نعرف مكانها، بدل إعطائهم أنظمة دفاع جوية محمولة مثلاً".يقول روجرز إنه يدعم مدّ السوريين بأسلحة مشاة خفيفة تُدخَل تدريجياً إلى ساحة القتال. ويتابع موضحاً: "كنت أعارض هذه الفكرة في البداية. فلم أظن أننا نستطيع التحكم جيداً في مَن كانوا في ساحة القتال. ثم واجهنا هذا النمو الكبير في عدد المجاهدين، الذين ربطوا أنفسهم بوحدات أكثر علمانية. لكن أدعو إلى تدريبهم أولاً، وبعد الانتهاء من تدريبهم تجهيزهم".Michael Hirsh
مقالات
ماذا وراء رفض أوباما التدخل في سورية؟!
24-03-2013