منذ المكالمة الودية بين الرئيسين الأميركي باراك أوباما والإيراني حسن روحاني والتحليلات تتواصل عن نوايا أقطاب العالم تجاهنا، وتحديداً منطقة الخليج العربي وجوارها، خاصة بعد التفاهمات والاتفاقات بين واشنطن وموسكو تجاه سورية التي صبت كلها في مصلحة طهران وحلفائها، وتجاهل "المجتمع الدولي" لفظاعات النظام السوري من عمليات الإبادة العرقية والمحارق الجماعية بالمواد الكيماوية للنساء والأطفال والرجال في ريف وغوطة دمشق، التي سيبرزها المؤرخون المنصفون كجرائم ضد الإنسانية تفوق المحارق النازية بشاعة وعدداً، ومذابح بول بوت في كمبوديا ومقابر سبرنتشا الجماعية.
مكالمة أوباما- روحاني هي رأس جبل الجليد لتفاهمات مباشرة وغير مباشرة منذ أحداث 11 سبتمبر 2001 بين واشنطن وطهران كانت واضحة معالمها في أفغانستان والعراق، وحالياً في سورية برضا وموافقة إسرائيلية، وما يفعله قادة إسرائيل، وآخرهم نتنياهو، من خطب عدائية ضد ايران هو أدوار مسرحية للتغطية على موافقة إسرائيل واللوبي الأميركي الصهيوني تجاه ما تفعله واشنطن مع طهران، فأميركا وتل أبيب حددتا الخطر تجاههما بأنه "الإسلام – السني" الذي يجب أن تتفتت مجتمعاته وتوضع تحت الضغط، في ما يعتبر الأميركيون والإسرائيليون المشروع الإيراني (الفارسي القومي) المتدثر بالعباءة المذهبية الشيعية لا يمثل أي تهديد للأمن القومي الأميركي والوجود الإسرائيلي في المنطقة، وما الخطاب الإيراني العدائي ضد إسرائيل إلا "عدة شغل" ووسيلة لاختراق المنطقة العربية بالنفاذ إلى عقول وقلوب أغلبية الشعوب العربية العاطفية الساذجة، أما تضحيات "حزب الله" اللبناني ضد إسرائيل فما هي إلا جواز مرور وثمن لتغيير معادلات القوى على الأرض في لبنان ومنطقة الشام ككل التي يلعب فيها الحزب الآن دوراً رئيسياً في قمع الثورة السورية وحفظ الوجود الفارسي في الشام، بينما حدود إسرائيل مع لبنان محمية منذ 2006 دولياً حتى نهر الليطاني، وهو ما لم تحظَ به تل أبيب منذ خمسين عاماً! عملياً، فإن دول الخليج العربي يتم تطويقها حالياً من إيران بتفاهم أميركي – إسرائيلي وعلم روسي، وطهران تلعب بحرفنة، وستتوقف في مرحلة ما في مشروعها النووي بعد أن تأكدَ للعالم قدرتها على صنع قنبلة نووية متى ما أرادت، وستحصد الإقليم الممتد من البصرة حتى صور في الجنوب اللبناني الذي سيكون لإيران الغلبة والهيمنة فيه وعليه، وسنسعى في دول الخليج إلى رضا طهران، وستتوالى الدعوات الخليجية على زعماء نظام الملالي لزيارة العواصم الخليجية أو الطلب منهم استقبال قادة الخليج، وهو ما سيوسع دور طهران لتضع شروطها ومطالبها التي لا نعرف سقفها في المستقبل للمنطقة خاصة بعد نجاحاتها المتوالية وقراءتها الصحيحة لتحولات في الولايات المتحدة التي تخرج من نموذجها في السياسة الخارجية الذي صنعه الرئيس روزفلت في الحرب العالمية الثانية إلى انسحاب من مناطق المواجهات لصالح معادلات جديدة تحفظ لها مصالحها دون أثمان اقتصادية وبشرية مكلفة عليها. بلا شك، فإن الانتصارات التي حققها الإيرانيون كانت بسبب إخفاقنا في استيعاب ما كان يحدث من حولنا، وبصفة خاصة المملكة العربية السعودية، الشقيقة الكبرى، التي تمثل الثقل الخليجي- النفطي المؤثر في العالم، فمقاربات الرياض في العراق ولبنان كانت غير دقيقة وخاطئة، فمنذ سقوط صدام حسين ابتعدت الرياض عن العراق وتركته ملعباً للإيرانيين والسوريين وحدهم، وكذلك خياراتها وتحركاتها واتفاقات (س- س) في لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري التي أدت إلى الخيبات وتوالي النكبات على سنة لبنان، وكذلك الإخفاقات في ملف الثورة السورية، لذا فإن الرياض بصفة خاصة ودول الخليج والأردن واليمن بصفة عامة مطالَبة بتحرك كبير ومهم مع مصر التي لا يجوز أن تعاني اقتصادياً، ويجب أن تربط مصالحها الحيوية مباشرة مع منطقة الخليج ونفطه وثروته بحصة ثابتة لنواجه التفاهم الأميركي- الإيراني لتطويقنا، والذي استقر في العراق ويجرى استكماله في سورية، وسيُطبق على رقابنا لاحقاً بشروطه ومطالبه التي ستفرض علينا بالقوة.
أخر كلام
إيران... والمقاربات الخليجية الخاطئة!
20-10-2013