النفط والطاقة: تأرجح أسعار النفط حول 100 دولار للبرميل مؤشر لتوازن السوق ودليل عدم وجود فائض كبير

نشر في 11-06-2013 | 00:01
آخر تحديث 11-06-2013 | 00:01
قال خبراء في الطاقة إن الأسعار السائدة حالياً يدعمها بشكل رئيسي وملحوظ استمرار العوامل الجيوسياسية التي تؤثر مباشرة في تعافي إنتاج عدد من البلدان داخل "أوبك" وخارجها، ومتى ما تم تجاوز الأزمات التي أدت إلى تأثر إنتاج تلك البلدان فستنخفض بلا شك أسعار النفط بشكل واضح.
كشف الخبير النفطي محمد الشطي ان هناك عدة معطيات في سوق النفط اسهمت بشكل فاعل في قرار "اوبك" الأخير بإبقاء الانتاج على المستوى الحالي دون تغيير، يأتي في مقدمتها توازن السوق حاليا، مبيناً أن تقديرات انتاج "اوبك" لشهر مايو 2013 جاءت عند متوسط 30.5 مليون برميل يوميا، وهو ما يعادل متوسط الطلب على نفط المنظمة للنصف الثاني من 2013 حسب توقعات سكرتاريتها وهو مؤشر جيد لتوازن السوق.

وبيَّن الشطي أن تلك المعطيات، وفق تصريحات تأخرت على الأقل ستة اشهر، تشمل قلق السوق بشأن خطط العراق لرفع الانتاج بمقدار 500 الف برميل يوميا خلال العام الحالي، في مقابل انخفاض الانتاج النفطي في نيجيريا بسبب عمليات القرصنة والتصعيد هناك، مع استمرار انخفاض مبيعات ايران من النفط الخام للأسواق المختلفة الى مستوى دون المليون برميل يوميا.

وأشار إلى أن أوساط "أوبك" تعتقد أن هناك "كفاية" في المعروض، ولا يوجد فائض يهدد اسعار النفط الخام بالهبوط، وإنما المعروض هو ما يحتاجه السوق النفطي، ويفيد في خفض نسبه التذبذب والتقلب في اسعار النفط الخام والتي انخفضت فعليا مقارنة بما كانت عليه في السابق.

وأكد أن قرار وزراء "أوبك" في اجتماعهم الأخير رغم انه كان متوقعا من قبل أوساط المراقبين، فإنه ضمن استقرار الأسواق في وقت يتفق فيه الجميع على ان النصف الثاني من العام يشهد تعافياً في الطلب على النفط على أسس موسمية، وتبدو مصداقية منظمة "اوبك" في ضبط إيقاع السوق من خلال التأكيد على أمرين، أولهما متابعة ودراسة تطورات إنتاج النفط من خارج المنظمة، خصوصاً النفط الصخري، والآخر التطورات الأخيرة التي تؤكد أن مسؤولية استقرار الأسواق والأسعار مسؤولية جماعية وليست قاصرة على "اوبك" وحدها.

وهل سيمنح سعر برميل النفط فوق 100 دولار المزيد من المرونة والاستقرار لتحركات الأسواق، أجاب الشطي: "لقد تطورت توقعات الصناعة بشأن أسعار النفط خام برنت لتعكس ضعف اساسيات السوق، ففي ابريل من العام الماضي كانت التوقعات لعام 2013 عند 128 دولاراً للبرميل، ثم تم تعديل هذه التوقعات بشكل كبير لتصل الى 110 دولارات مع نهاية مايو 2013، أي أن التوقعات هبطت نحو 18 دولاراً للبرميل.

مؤشر التوازن

 وأضاف ان تأرجح الأسعار حول المئة دولار للبرميل، يعتبر مؤشراً لتوازن السوق كما انه دليل على انه لا يوجد فائض كبير يهدد المحافظة على الاسعار ويؤدي الي انخفاض واضح في اسعار النفط.

وبيَّن أن ارتفاع الاسعار عن المئة دولار للبرميل بفارق كبير يسهم بشكل كبير في تشجيع تطوير الانتاج من مختلف الاماكن ويشجع على الاستثمار بوجه عام في التكنولوجيا او في تطوير الطاقات البديلة والمتجددة، وهو امر يصب في مصلحة زيادة المعروض على متوسط الطلب، ما يعني ضغوطاً على الأسعار، موضحاً أن ذلك ربما يأخذ وقت اطول نسبيا، ولكنه ليس في مصلحة استقرار الأسعار اذا كان ارتفاع المعروض كثيرا يدفع الى زيادة التنافس في السوق النفطي بين مختلف المنتجين.

 ولفت الشطي إلى ان الأسعار السائدة حاليا، يدعمها بشكل رئيسي وملحوظ استمرار العوامل الجيوسياسية، التي تؤثر بشكل مباشر في تعافي انتاج عدد من البلدان داخل وخارج "اوبك"، مضيفاً أنه متى ما تم تجاوز الازمات التي ادت الى تأثر انتاج تلك البلدان فسيحدث بلا شك انخفاض في اسعار النفط.

وذكر أنه إذا عاد انتاج ايران الى مستوياته الطبيعية، وكذلك الأمر بالنسبة الى فنزويلا ونيجيريا وليبيا، فإن ذلك يعني ارتفاع المعروض مع ضغوط متزايدة على الاسعار تتطلب تعاوناً كبيراً بين أعضاء منظمة "اوبك"، فضلاً عن تحقيق العراق اهدافه الاستراتيجية في رفع الانتاج.

وحول طبيعة المسارات التي تتخذها أسواق الطاقة العالمية حاليا، قال الشطي ان التوسع في انتاج واستخدامات الغاز الطبيعي في تنام مستمر، وهناك حاجة الى الاستثمار في كل انواع الطاقة، للإيفاء باحتياجات الطلب المتنامية مع تنامي عدد سكان الارض وارتفاع مستوى المدنية والنشاط الصناعي والاقتصادي، لافتاً إلى أن الأمر يستدعي تعاوناً صادقاً وثيقاً وفعالاً بين جميع الاطراف، المنتجة للنفط والمستهلكة، والشركات النفطية والخدماتية، فضلاً عن مراكز البحث العلمي تحت مظلة منتدى الطاقة الدولي لمصلحة الاستثمار المتوازن في انواع الطاقة ونقل التكنولوجيا، والوصول الى صيغة تعاون تضمن امن امدادات الطاقة وتحقيق التنمية واستقرار الاسعار ومواجهة فقر الطاقة وتوفيرها لأكبر عدد من سكان الارض، إضافة إلى ترشيد استخدامها لضمان اطالة عمرها.

دراسة أحوال السوق

من جانبه، أكد خبير متخصص في تكرير وتسويق النفط عبدالحميد العوضي ان "اوبك عندما قررت المحافظة والابقاء على المستوى الحالي من الانتاج (30 مليون برميل يوميا) كان بعد دراسة لاحوال السوق، حيث ارتفع سعر سلة اوبك في فبراير الى 115 دولارا للبرميل، وانخفض الى 96 دولارا في منتصف ابريل".

وقال العوضي ان هذا الامر "يعطي دلالة على ان معدل الاسعار خلال النصف الاول من 2013 بحدود 105 دولارات للبرميل هو اعلى من السعر المستهدف من سلة اوبك، وهو 100 دولار، رغم ان بعض اعضاء اوبك يرون ان الاسعار يجب ان تزيد لدعم اقتصاداتها، ومن بينها ايران".

واضاف ان هناك "عاملا آخر دفع منظمة اوبك للابقاء على هذا المستوى من الانتاج هو زيادة الطاقة التكريرية العالمية بحدود 1.5 مليون برميل يوميا حتى نهاية العام الحالي، يقابلها وفرة في انتاج دول اوبك، خاصة العراق ودول افريقيا، التي كانت تصدر النفط الى الولايات المتحدة، وتقليل اميركا وارداتها من النفط الافريقي، بسبب زيادة انتاجها من الزيت والغاز الصخري".

واوضح ان "معدل اسعار نفط خام برنت خلال النصف الاول من 2013 بحدود 110 دولارات للبرميل سعر عادل في تقديري، وفق معطيات عوامل السوق العالمي، الا ان التباطؤ في النمو الاقتصادي العالمي وتراجع معدل الفائدة العالمي يؤدي بالتالي الى تقليل الطلب على البترول، ويمكن ان يزيد الطلب على الغاز الطبيعي".

وزاد: "نلاحظ ان معدل اسعار الغاز مازالت قوية في اميركا خلال النصف الاول من 2013، وهي بحدود 4 دولارات لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، ما يرجح ان تعيد اوبك دراسة قرارها في خفض الانتاج قليلا خلال الربع الثالث، دعما للاسعار التي قد تنخفض اذا استمرت هذه العوامل التي ذكرناها آنفا دون تغيير، وبلا شك ان اسعار نفط خام برنت ستتأثر بمستوى انتاج اوبك وانتاج بحر الشمال والنفط الروسي".

ضغوطات قطبية

من جهته، ذكر المستشار التنفيذي لشركة فوكس للخدمات الاستشارية وإدارة المشاريع د. خالد مهدي أن "اسواق النفط تتعرض في المرحلة الحالية لضغوطات ذات طبيعة قطبية، الاول يعجل بقرار تحديد مستوى الانتاج الحالي تحديدا فنيا وسياسيا واستراتيجيا وبيئيا"، مشيرا إلى ان "القطب الدافع الى رفع مستوى الانتاج يتمثل في الطلب المتزايد على الطاقة، في ظل النمو السكاني المتسارع، لاسيما في كتلته الشرقية، والدفع الحكومي لبناء مشاريع بتروكيماوية في بلدانها، وهذا الطلب سيساهم في عدم استقرار الكثير من الاقتصادات العالمية".

واضاف ان "القطب الدافع يتمثل ايضا في الضغط المجتمعي للحد من استخدام الوقود الاحفوري، في ظل تزايد معدلات ثاني اكسيد الكربون بصورة مطردة والآثار الناجمة عن ارتفاع درجة حرارة الكوكب، وفي الوقت نفسه يرى البعض ان ذروة النفط امر يجب النظر اليه على الاقل مرحليا للتحديات الفنية والتقنية في استخراج النفط ومعدل الاستكشاف الاخير".

واردف انه مع ثبات العرض بإبقائه على المستوى الحالي، سواء لعدم القدرة على الانتاج أو تزويد السوق، لافتا إلى انه على الامرين تقع نفس النتيجة وهي بقاء دالة العرض ثابتة، موضحا ان ابقاء الطلب على مستوى ثابت امر شبه محال، في ظل العوامل الحالية المتمثلة في الحاجة الماسة الى الطاقة والمواد الخام للتصنيع الكيماوي.

وشدد على ان "الوقود يمثل اكثر من النصف في استخدام النفط، وعليه فإن انخفاض الطلب الى مستويات تتناسب مع العرض يتحقق من خلال سلة الطاقة، التي تعتمد على تنويع مصادر الطاقة بإضافة مصادر متجددة ذات كفاءة عالية او مصادر غير متجددة ذات مخزون استراتيجي عال".

وتابع ان "مستقبل اسواق الطاقة العالمية لم يعد مرتبطا تماما بالنفط كوقود للحضارة الصناعية، في ظل التطور العلمي والتقني في توظيف الطاقات المتجددة لتكون وقودا نظيفا للحضارة الانسانية"، مشددا على انه راهنا لا يمكن تصور اي امر الا "فوضى خلاقة للاسواق العالمية" ستؤدي حتما إما الى كارثة انسانية واما الى مستقبل جديد لخريطة الطاقة العالمية.

back to top