«صهيل الطين»... عرض مسرحي إماراتي يحمل قضية عالمية
أداء لافت للجسمي والمهدي والمخرج قدم سينوغرافيا رائعة
قدم مسرح الشارقة الوطني عرضين متتاليين لعمله «صهيل الطين»، على مسرح التحرير في كيفان.
قدم مسرح الشارقة الوطني عرضين متتاليين لعمله «صهيل الطين»، على مسرح التحرير في كيفان.
كان الصراع الأزلي بين الخير والشر، والنضال من أجل نيل الحرية من عتق العبودية والاستبداد، المحور الرئيسي لعرض «صهيل الطين»، تأليف إسماعيل عبدالله وإخراج محمد العامري، وإنتاج فرقة مسرح الشارقة الوطني، وهو العرض الزائر من الإمارات، والمشارك في فعاليات مهرجان «القرين 19».ودلت السلاسل الحديدية، المتدلية من الأعلى في مستهل العرض، على القيد والكبد وتكبيل الحريات، أما التماثيل فكانت رمزا للخضوع والخنوع لذلك الطاغية بعصا الطاعة.
صوت فتاة في العقد الثاني من عمرها، ينادي بمفردة «سيولد» لمرات عديدة، سيولد من ماء وطين، مع مؤثر صوتي للزغاريد، في المقابل صوت رجل في أذل العمر يؤكد ولادة وريثه من نار وطين.إنها الابنة التي تعيش في سجن والدها الطاعن في السن، وهو قبو لصناعة التماثيل، بقيت مكبلة بسلاسل طغيانه وجبروته واستبداده، محرومة من شمس الحرية.لم يفلح بعد 24 زيجة من انجاب ابن ذكر ليكون وريثا لسلالته، وزوجته الأخيرة منحته أنثى، وبعد صراع قتلها لكنها حرمته من يده التي يصنع بها تماثيله، وأصبحت أنامل ابنته هي التي تشكل تلك التماثيل من طين ونار منذ طفولتها. وبعد معاناتها من طغيانه، ارادت الفتاة أن تنفذ حلمها وفارس أحلامها بيدها، دون علم والدها، لتشكله من طين وماء المطر على هيئة رجل طويل القامة لديه بنية جسدية قوية، كي يخلصها من سنواتها العقيمة.يكتشف سر فعلتها فيعرض عليها حلا يعتبره مناسبا للطرفين، بأن يدخل تمثالها الحلم إلى الفرن، أي النار، كي تخلده على السمع والطاعة مثل بقية التماثيل.وباءت محاولاته لاستمالة ابنته إليه بالفشل، فقد واجهته بالعناد والتمرد على قوانينه القمعية والمستبدة، واستطاعت أن تتغلب عليه بادخاله إلى الفرن بعد أن فشل في ادخالها إليه، ثم يخلصها تمثالها الحلم وفارس حبها ويدافع عنها أثناء هجوم التماثيل، وتسقط كل السلاسل والقيود معلنة انتصار الخير وبزوغ شمس الحرية.استطاع المؤلف أن يستثمر أسطورة «بيغماليون»، الذي صنع تمثال غالاتيا، لكن بطريقة معاكسة من خلال الفتاة التي صنعت فارس حبها الذي حلمت به، كما وفق المخرج في تقديم سينوغرافيا رائعة، وكوريغرافيا جميلة، ومعادلة إيقاعية سليمة لعناصر العرض المسرحي.أما الأداء التمثيلي للفنانين أحمد الجسمي (الأب) وحنان المهدي (الابنة) فكان لافتا جدا، وأداء موفقا لأحمد إسماعيل (تمثال الرجل الحلم).ويبقى القول ان مسرحية «صهيل الطين» قدمت قضية عالمية صالحة لكل زمان ومكان، بطرحها الفلسفي الذي يحمل الكثير من التأويلات، مجسدة الصراع بين الخير والشر، والرجل والمرأة، والحرية والقهر، والحياة والموت، ونماذج للبشر مسلوبي الإرادة من خلال رمزية التماثيل.