ما الناقص في هذه المعادلة؟
زرت المملكة المغربية أكثر من مرة، شاهدت فيها مدنها المهمة من عاصمتها الرباط وكزابلانكا وطنجة وفاس ومكناس والقصر الكبير وأسفي والجديدة وتطوان وأصيلة، وسبتة ومليلة المحتلتين، وزيارتي الأخيرة لمراكش والصويرة واوريكا، حيث مزار ستي فاطمة، وفي أجندتي زيارة مدينة أغادير وشفشاون وأفرام وورزازات الصحراوية، وأكون قد اطلعت على معظم مدن المغرب ذات الجمال المتنوع والمختلف والساحر.الغريب أن المدن المغربية رغم تقاربها فإنها تملك خصوصية متفردة بها تختلف عما يجاورها، فمثلا رغم التصاق مراكش بمدينة الصويرة إلا أن المكان يتغير بعد مسيرة ساعتين في السيارة، تصبح تضاريسه مختلفة تماماً عن طبيعة وروح مراكش وحتى أخلاق الناس تختلف، ليس بسبب وجود البحر في الصويرة، وعدم وجوده في مراكش، فالصويرة أيضاً تختلف تمام الاختلاف عن طنجة رغم وجود البحر فيها، وعن أصيلة أيضاً التي تقع كذلك على البحر، ومع هذا لا تتشابه مع المدن البحرية المغربية الأخرى، فما العوامل التي أعطت كل هذا التمايز والاختلاف لمدن المملكة المغربية، وربما شملتها كلها بدون أي استثناء؟
العامل الواضح هو تضاريس الموقع الغني بتنوع عجيب ممتد عبر سواحل طويلة تطل علي المحيط الأطلنطي العظيم، وهذا ليس كل شيء ففي شمالها البحر المتوسط، وفي وسطها خصوبة وغابات، وعلى أطرافها الصحراء، وتفصلها عن الجزائر سلسلة جبال الأطلس المغطاة بثلوجها الصالحة لرياضة التزحلق على مدار العام، ولكل هذه المدن خصائص مختلفة عن الأخرى في طبيعة خيراتها ومنتجاتها طبقاً لموقعها الجغرافي الممتد في الغابات أو الصحراء أو الجبال أو البحر، ما يؤهلها لصدارة الدول المتقدمة، فهي دولة لا ينقصها شيء، فثرواتها الطبيعية متنوعة ومتعددة ومستدامة، وليست ناضبة مثل الثروات الخليجية، هذا إلى جانب أنها لا تعاني مشكلة الزيادة السكانية التي تتفوق على الإيرادات الطبيعية، فمازالت الأرض فائضة عن عدد سكانها، وقادرة على منحهم الكثير والكثير من باطن خيراتها، ومع هذا الفائض كله، إلا أن المغرب لا يعد من الدول المرتاحة مادياً، والمتطورة باقتصادها وبرفاهية شعبها، وهو الأمر الغريب الذي يدفع بالسؤال التالي: لماذا المغرب فقير رغم تملكه كل هذه الثروات الطبيعية التي حباها الله به، وميزه بمنتجات بحر متوسط ومحيط أطلنطي وصحارى وجبال وغابات وأرض خصبة قادرة على منحهم ثروة تساويهم مع جيرانهم الإسبان والإيطاليين، فالمعطيات الطبيعية تتقارب بين طبيعة بلادهم الجغرافية، لكن المستوى المعيشي يختلف تماماً بينهم.حاولت أن أعرف إن كان الموضوع يعود إلى الفساد السياسي أو الإداري أو الاقتصادي أو جميعها معاً، أدت إلى هذا الوضع الذي يعيشه المغرب الآن، والذي ينتقص من قيمته الحقيقية التي يستحق أن يكونها. والذي لاحظته أيضاً، وربما يعود إلى طبيعة الشعوب الإفريقية بشكل عام، هو ميلها إلى الراحة والسكون والكسل، الأمر الذي يفرقها عن الشعوب الآسيوية التي تتفوق عليها بالنشاط وشحذ الهمة والعمل، فمثلاً لو كانت هذه الأراضي الخصبة بطبيعتها المتلونة بأيد آسيوية لحلبتها حتى آخر قطرة فيها بجد واجتهاد يخلق من البوصة عروسة، فما بالك أن المغرب بحق أحلى عروسة، لكنها لم تجد من يحفل ويحتفل بها، والمصريون يقولون في مثلهم الظريف "يدي الحلق للي بلا ودان"، أي إن المغرب وقع بأيدي لا تحفل ولا تهتم به.ربما يعود الأمر إلى طبيعة التركيبة المغربية ذاتها التي تميل إلى التخصص الحرفي الدقيق والماهر في مهنة تجعله متفوقا في حرفة لا يتطلع لأي شيء آخر سواها مهما كانت البدائل ملقاة أمامه، ولا تحتاج إلا إلى نقلة تخلق المستحيل الذي لا يحتاج إلا لقفزة مغامرة تفجر معجزة لن يقوم باجتراحها مغربي خُلق ليكون حرفياً ماهراً خلاقاً فقط في حرفته، وهو ما لاحظته بالفعل على من قابلتهم في سفري، وعلى من طرحت عليهم أسئلتي التي كانت ردودهم عليها غالباً بعدم المعرفة مهما كان السؤال بسيطا، مثل ما هي أسماء طيور المغرب؟أو ما أسماء الأشجار التي كنت أمر بها، والتي تختلف بحسب اختلاف تضاريس المدن الطبيعية؟ فهل الشعب المغربي لا يحب الأسئلة أم مترفع عن الفضول؟لكن تبقى المغرب بلاد السحر والبراءة البدائية والجمال الذي تخاف عليه من غزو حضارة زائفة.