بين العقاب والتسامح
• يقال إن من "أمن العقوبة أساء الأدب"، ومع ذلك يساء الفعل حتى بوجود عقوبة تبدو رادعة. وفي المقابل فإن التسامح مع الفعل السيئ صفة صعبة عند كثيرين، ولذا نطلق عليه "فن التسامح" فليس كل البشر قادرين على التسامح، والحديث هنا غير مقصود به البعد الشخصي للتسامح أو العقاب أو حتى الانتقام، ولكنه ما صار يعرف باسم العدالة الانتقالية، وتخلُّق ثقافة عامة لهذا الشعب أو ذاك. • جاء الحكم على شارلز تايلور رئيس ليبيريا الأسبق يوم الخميس الماضي بالسجن ٥٠ عاماً، وهو أول رئيس في التاريخ يحكم عليه في جرائم إنسانية وجرائم حرب في محكمة دولية مستقلة، فمن غير المنطقي أساساً اعتبار محاكمات نورمبرغ وطوكيو سوابق تاريخية، وهي المحاكم التي نصبها المنتصرون ضد المهزومين في الحرب العالمية الثانية، فتلك يطلق عليها عدالة المنتصر. وحيث إن تايلور قد دخل التاريخ بإدانته هذه فإنه قد رسخ فكرة ومبدأ عدم الإفلات من العقاب لجميع مجرمي الحرب والإنسانية، وهي مسألة وقت ليس إلا.
• كنا ونحن نستمع إلى مبررات القضاة في إصدار حكمهم على تايلور، كأننا نستمع إلى ملحمة مستمرة يتعامل فيها مجرم الحرب في إطار ثقافة ترى الحق مع القوة الفاسدة القاتلة الماحقة التي تفتك بالضعفاء والمهمشين وتسحقهم لكي تثبت قدرتها وقوتها وهيمنتها وسيطرتها، فضمن هذا المنطق فإن "البقاء للأقوى" و"الغاية تبرر الوسيلة" وهو ذات المنطق المسلّم به لدى مجمل الطامحين السياسيين. • إذاً بالحكم على تايلور دخلنا حقبة جديدة، تضع لبنة في ملاحقة الرؤساء المجرمين، فالتهم التي أدين بها تايلور كانت تدور حول مساعدته لجرائم حرب ارتُكِبت في سيراليون، أي أنه لم يكن الفاعل المباشر. وكم لدينا من رؤساء مارسوا ويمارسون جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية حتى يومنا هذا. ولذا حاول تايلور في دفاعه أن يبرئ نفسه قائلاً: "لقد سمعت عن جرائم في سيراليون ولكنني لم أشارك فيها"، وحاول الدفاع جاهداً أن يخرجه من الإدانة بذات المنطق، ولكنْ "سبق السيف العذل" وتم تثبيت ما هو أخطر من الفعل المباشر، وهو المساعدة. • كان لافتاً أثناء المؤتمر الصحافي الذي تلا النطق بالحكم للادعاء وللدفاع استشهادهما كثيراً بالأوضاع في الشرق الأوسط، وتم ذكر عدد من الحالات والرؤساء وأفعالهم لنقد الحكم، فمنطقتنا زاخرة بالانتهاكات وجرائم الحرب، كان ذلك للتدليل على انتقائية المنظومة الدولية. وللحديث بقية...