لما كانت الأمّ أول امرأة في حياة طفلها، لاحظ فرويد أنها تجد في هذه العلاقة أمانًا عاطفيًا لا مثيل له يلغي كلّ منافسٍ لها. في حين تغيّر عقدة أوديب وجهة الفتاة العاطفية من والدتها إلى والدها، يبقى الصبي مرتبطًا بأمه.

Ad

 في هذا الصدد يشرح ألان براكونييه أن الأم تصوغ علاقتها بابنها من خلال ما تُسقطه عليها من مثاليات ومن مفهوم الذكر بالنسبة إليها، رغم أن هذه العلاقة تقوم على الرغبة والمتعة. كذلك يشير إلى خمسة أنواع من الأمهات تخفيها كلّ أمّ في داخلها، وتحدّد شخصيتها النوع الأكثر غلبة.

الأم المدافعة

إنها الأم كما تظهر في أفلام وودي ألن، بقلقها وتدخلها وتملكها ومحاولتها تمديد رابط التفرد الذي يجمعها بابنها. لذا، لا تتردد في فرض الأمور عليه باستمرار واستغلال خوفه للمبالغة في تصوير المخاطر وتقديم ما يحتاج إليه من وسائل الراحة والدلال.

تنقل هذه الأم ما يعتريها من قلق إلى ابنها فيشاركها نظرتها التشاؤمية إزاء العلاقات البشرية ما يعزز قلقه وتبعيته العاطفية. يسحق الحبّ العنيف ابن هذه الأم فيترعرع في جوّ من القلق وعدم النضج العاطفي والشعور بالذنب، ويصعب عليه إنشاء علاقاته الحميمة وتتراجع قدرته على التواصل اللفظي والعاطفي. وفي حال توصّل إلى قطع الحبل الذي يربطه بأمه، فيكون ذلك عن طريق العنف الحاسم، وإلا بقي مخلصًا لها ويتحاشى غيرها من النساء اللواتي يبتعدن عنه بدورهن بسبب صورة أمه القوية المسيطرة.

الأم الخاصية

سواء أدركت الأمر أم لا، تعيش هذه الأم في حالة حربٍ مع الرجل وتسعى إلى السيطرة، فتجبر ابنها على تنفيذ أوامرها وتعامله بقسوةٍ يلّفها الحنان، مذكرةً إياه بأنها صاحبة الأمر الوحيدة. فلا عجب أن يخاف مستقبلا من لقاء حميمي يجمعه مع امرأةٍ ما.

يسعى ابن هذه الأم إلى الفرار من والدته فيما يبحث أصلا عن نسخةٍ عنها رغبةً منه في البقاء تحت سيطرة امرأة. وبعد العثور على هذه المرأة يهرب من خناقها من دون جدوى عبر الخيانة. إلا أن خضوعه يبقى محدودًا إذ قد يُظهِر أحيانًا عنفًا شفهيًا أو جسديًا حين تُهان رجولته.

الأم المتيقظة

 

إنها أم سعيدة راضية بشريكها فلا تسقط على ابنها خططًا مبالغة أو مثاليات مستحيلة. تنتبه إلى حاجاته من دون قلق وتترك للأب فرصة إثبات وجوده في حياة الابن. تتنوع مصادر المتعة لديها فلا يكون طفلها علة وجودها الوحيدة. تستمع إلى ابنها وتشاركه من دون التدخل في شؤونه وتملّكه. بكلمة تحبّ هذه الأم ابنها ولا تمنعه من الاستفادة من حبّ الأخريات.

يتميّز ابن هذه الأم بثقة برجولته وقدرة على التعامل مع النساء بسهولة. يسعى إلى إسعاد امرأةٍ أخرى تأثرًا بالسعادة التي تعمّ العلاقة بين والديه. يعرف كيف يعبّر عن مشاعره ويجذب الآخرين من دون خداع أو هيمنة. يتنقل بمهارة بين دور الصديق والحبيب. يفضّل مستقبلا علاقات الصداقة والاهتمام على علاقات الحبّ.

الأم المُحبّة

تدلّ عينا هذه الأم وإيماءاتها وكلماتها على الحبّ الذي تكنّه لابنها الذي تُسقِط عليه أفكارها المثالية عن الرجولة. تتباهى بخصال ابنها الجسدية والأخلاقية فيملؤها الفخر كلّما حقق نجاحًا باهرًا، ولا تنفك ترسم له مستقبلا متألقًا. تريد له الأفضل وتبدو مستعدة للتضحية لأجل ابنها، علّة وجودها، فتقدّم له ما شاء من الدعم من خلال المديح والدلال؛ كيف لا وقد وضعت فيه كلّ آمالها.

في الحقيقة، إنها أم العظماء من الرجال. تنقل إلى ابنها قوة عظيمة تمنحه ثقة بنفسه في مواجهة الصعاب. على المستوى العاطفي، يُظهر هذا الابن رضًى وطموحًا بالعثور على امرأة تأخذ دور والدته، فتمنحه ما اعتاد الحصول عليه من حبّ عظيم  زاخر بالتقدير والإعجاب.

غالبًا ما تخيب آماله فتتعاقب العلاقات في حياته سريعًا، ويتحوّل البحث إلى غزو ويصبح الأمير الساحر زير نساء. وإذا وجد أخيرًا جوهرته النادرة، فإنه يفرض عليها التضحية والتفاني. نادرًا ما يهتّم هذا الرجل بالمرأة القوية المستقلة أو المغرية.

الأم البعيدة

لما كانت هذه الأمّ تشكّ بمهاراتها كأم وتعيش في خوفٍ من اقتراف الخطأ، فإن ابنها يعاني ويرى خطرًا في ما تقدّمه له من مشاعر ومبادرات وتواصل، لذلك تبتعد عنه جسديًا وعاطفيًا. إلا أن ابتعادها لا يعني أنها لا تحبّ ابنها ولكن ما دام عاجزًا عن فكّ رموز ألم أمه سيشعر أنه غير محبوب.

 من ضمن الأمهات البعيدات نجد تلك التي تكره النساء والبشر عمومًا. يعجز الابن الذي حُرِم من عطف أمه وحبّها عن وضع ثقته بالنساء، وغالبًا ما يكوّن أفكارًا ساخرة عن الحبّ والعلاقات الحميمة، فيبقى حذرًا وباردًا عند محاولته الاقتراب من امرأةٍ، ويضع البعد العاطفي الذي طبع علاقته مع أمه بينه وبين النساء، وفي حال وجد امرأةً كريمة تبعث في قلبه طمأنينة ودفئًا فإنه يتفانى في علاقته معها.