قبل سنوات، كنت أعمل في عمل تجاري بسيط وكان معي بعض العمال العرب، ونتيجه لقلة عدد العمال وصغر حجم العمل، كنت كأني واحدٌ منهم، فنظام العمل الذي كنت أعمل فيه لا يفرق كثيراً بين عامل ومسؤول عمال، نظراً لميدانية العمل.

Ad

وكانت كثير من أعمالنا تمتد حتى الليل، أذكر وقتها أن حتى وجبات الغذاء نتناولها مع بعضنا، ورغم بساطة تلك الوجبات فإنها مشبعة وتؤدي الغرض... وكما وصفها أحدهم "لقمة هنية تكفي مية"!

أيامها وفي أوقات الفراغ القليلة كنا نتحدث في كل شيء وأي شيء، كان حديثنا يبدأ بأسعار المواد الغذائية، مروراً بالسياسة المحلية، إلى أن يأخذنا الحماس وحدة النقاش أحياناً عن آخر تطورات الوضع في نيكاراغوا!

بالطبع كان سقف الحرية مفتوحاً و"على البحري" بيننا نحن المتحاورين البسطاء، رغم أننا كنا في واد والسياسة الدولية في واد آخر مختلف تماماً.

وبطبيعة الحال، كانت النقاشات تتوقف عند أول اتصال هاتفي من أحد الزبائن، حيث نرجع إلى انشغالنا الأهم، وهو السعي وراء لقمة العيش... تاركين السياسة لأهلها الذين يتحدثون أمام الجماهير بشيء وفي غرفهم المغلقة يفعلون عكس ما تحدثوا به تماماً واسألوا "تسيبي ليفني"!

من طرائف القصص التي سمعتها من هؤلاء الطيبين قصة ذلك الشاب الفقير الذي سعى وحاول وثابر من أجل الحصول على "فيزا" للعمل في "جنة رضوان" المسماة الكويت، حيث كان اشتياقه للكويت وللعمل فيها نابعاً من سماعه للقصص الخيالية عن الكويت من أصدقائه من أهل قريته الذين عملوا فيها ولا يزالون، وعن المال الوفير والمستقبل الأفضل. وكان كلامهم مؤكداً والأدلة واضحة يشجع الواحد منهم بأن يبيع أرضه ثم يرهن بيته ويسافر إلى الكويت.

وبعد سنوات قليلة وإذا هو عائد إلى القرية وقد استطاع شراء أرض أثمن من أرضه التي باعها وفك رهن البيت بل ومحملاً بالهدايا والفلوس، مما أوقد نار الشوق في نفسه لرؤية تلك الجنة الموعودة المسماة الكويت، أو "جنة رضوان"، حسب وصف أصدقائه لها، حتى أنه إذا حضر صلاة الجمعة وأثناء الخطبة وإذا وصل الخطيب إلى الدعاء إلى أن يقول "اللهم اجعلنا من أهل الجنة" كان الشاب في قرارة نفسه ودون أن يشعر ومن شدة تأثره" يرددها إنما بطريقة مغايرة "اللهم اجعلنا من أهل الجليب"!... (لأن أصدقاءه كانوا يسكنون منطقة جليب الشيوخ... كما يقولون له).

غني عن الذكر من نحكي عنه وصل بالفعل إلى الكويت بعد أن باع أرضه إلا أنه لم يمكث في الكويت أكثر من السنة ونصف السنة... وللأسف، تم تسفيره بعد القبض عليه واقفاً مع عدة عمال على دوار إحدى المناطق الجديدة، انتظاراً للزبائن وسعياً وراء الرزق... وبطبيعة الحال لم يكن قد أكمل سداد ديونه حيث أتى إلى الكويت مديوناً وغادرها مجبراً... ومديوناً أيضاً!