الثورة المصرية وشرعية الصندوق

نشر في 03-07-2013
آخر تحديث 03-07-2013 | 00:01
 د. بدر الديحاني تجدد الثورة الشعبية في مصر أثار نقاشاً حامياً حول عناصر الشرعية الديمقراطية للنظام السياسي، حيث يردد الحزب الحاكم في مصر (الإخوان المسلمين) ومؤيدوه أن الرئيس د. محمد مرسي هو رئيس منتخب ديمقراطياً لمدة أربع سنوات، وبالتالي من "حقه" الاستمرار حتى تنتهي المدة الزمنية لولايته بغض النظر عن مستوى أدائه، بل من "حقه" التصرف كيفما يشاء على اعتبار أن الانتخابات العامة هي العنصر الوحيد للشرعية، فهل هذا صحيح؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال دعونا نؤكد أن الشرعية الثورية الموجودة في الميادين والساحات العامة والشوارع خلال الثورات هي مصدر السلطات جميعاً، إذ تنهار أمام الثورة الشعبية أي سلطة أخرى قائمة من قبل؛ لذلك سميت ثورة بحيث تبدأ على إثرها القوى الثورية برسم حدود كل سلطة من السلطات العامة وكيفية ممارستها لأعمالها من جديد.

وعودة إلى السؤال فإن صندوق الاقتراع هو الأداة التي يُحتكم إليها عادة في الدول الديمقراطية؛ لتحديد من حصل على أعلى نسبة من الأصوات كي يتولى السلطة، ويتحمل مسؤولية إدارة شؤون الدولة والمجتمع، ولكن الصندوق لا يحدد الآلية التي يتم بناء عليها ممارسة الحكم أو السلطة العامة، فذلك تحدده المبادئ الدستورية العامة التي تعتبر شرطاً لازماً لمشروعية أعمال السلطات العامة.

 وتصاغ المبادئ الدستورية التي تتضمنها وثيقة الدستور من خلال عملية توافق وطني عام، فلا يجوز أن ينفرد بها طرف سياسي ما دون الآخرين، حتى لو كان هذا الطرف هو الحاصل على أعلى نسبة أصوات في الانتخابات العامة، وإلا أصبحنا أمام دكتاتورية الأغلبية التي من المؤكد أنها ستضع شروطاً محددة تمكنها من إقصاء الآخرين، وبالتالي الاستمرار في الحكم إلى الأبد حيث لا معنى بعد ذلك إطلاقاً لأي انتخابات قادمة سواء رئاسية أو برلمانية؛ لأنها ستكون مجرد إضفاء مشروعية زائفة على عملية الانفراد بالقرار.

بكلمات أخرى، الانتخابات العامة وحدها لا تعطي شرعية للنظام السياسي ولا سلطة مطلقة للرئيس المنتخب، حيث إن سلطة الرئيس مقيدة وتحدها سلطات أخرى، بل بإمكان الشعب سحب السلطة (الثقة) من الرئيس المنتخب أو من الحكومة البرلمانية قبل انتهاء المدة الزمنية المحددة دستورياً، وذلك إذا ما شعر الشعب أن هناك خروجا على المبادئ الدستورية، أو كان هناك انفراد بالسلطة خلال المرحلة الانتقالية التي تلي الثورة، والتي يتم فيها عادة توافق وطني عام حول آليات ممارسة السلطات العامة.

 وعملية سحب الثقة تكون إما عبر الأطر الدستورية إذا كان ذلك ممكنا كما في الدول الديمقراطية العريقة، مثلما حصل مع الرئيس الأميركي الأسبق نيكسون، ومع مارغريت تاتشر وتوني بلير في بريطانيا (تم عزلهما من قبل حزبيهما قبل نهاية المدة المحددة)، وإما عن طريق الثورة أو الانتفاضة الشعبية كما حصل، مثالاً لا حصراً، في تونس ومصر.

وحول هذا الموضوع يقول أستاذ القانون الدستوري بجامعة "لاروشيل" الفرنسية د. وجدي ثابت في مقال له بعنوان "شرعية دون مشروعية" نشر في صحيفة "المصري اليوم" بتاريخ 1/7/2013 ما يلي: "إن فكرة الانتخابات كعنصر وحيد للشرعية ليست فقط فكرة عفى عليها الزمن، بل هي فكرة لم يعد لها وجود مطلقاً في الفكر الدستوري الحديث؛ لأنها نشأت إبان الثورة الفرنسية في القرن الثامن عشر مع فكرة سيادة الأمة.

 ولما اكتشف الفرنسيون مخاطر هذه الفكرة، وما أدت إليه من مذابح على أيدى روبسبير تم تصحيحها، على أن العدول الكامل عنها لم يتحقق إلا بعد أن رأينا الآثار الخطيرة المترتبة عليها من ثلاث دكتاتوريات أوروبية وكانت كلها وليدة انتخابات، ومن هنا لم تكتف الديمقراطيات بالانتخابات لتقيم شرعيتها، إنما كان من اللازم أن تضيف عناصر جديدة على فكرة الشرعية حتى تكتمل، وهي:

1- لا شرعية بلا مشروعية.

2- مبدأ سيادة القانون وليس قانون سيادته.

3- مبدأ الدستورية".

back to top