سورية و«متلازمة العراق» وحسابات المصالح والهوية
لم تقرّ الولايات المتحدة إلا أخيراً بالكلفة الكاملة لكارثة العراق، مع تشكيك الأصدقاء في الشرق الأوسط بكفاءتنا، ورفض أقرب حلفائنا الوقوف إلى جانبنا في المسألة السورية، وسأم شعبنا وخوفه من التورط في مأزق لا نهاية له، وهكذا، بعد مرور نحو عقد على تخلصنا من متلازمة فيتنام، حلت محلها متلازمة العراق.وهنا ينشأ السؤال: هل يسيطر هذا الشعور الجديد على السياسة؟ وهل يمنعنا التدخل لأسباب خاطئة في العراق من التدخل لأسباب صائبة في سورية؟
يوم الجمعة الماضي، عدد وزير الخارجية الأميركي جون كيري، في أحد أهم خطاباته، التحديات التي تواجهها الأمة، قائلاً: "ندرك اليوم، بعد عقد من الصراع، أن الشعب الأميركي تعب من الحرب، وأنا كذلك، صدقوني. لكن التعب لا يعفينا من مسؤوليتنا"."مسؤوليتنا"؟ أي مسؤولية هذه؟ وماذا تتطلب منّا؟أولاً، عنى كيري بضمير المتكلم للجمع "نا" كل الولايات المتحدة لا الرئيس فحسب، بغض النظر عن حقيقة الجدال الطويل الدائر حول حدود السلطة التنفيذية، أصاب أوباما بالطلب من أعضاء الكونغرس بصفتهم ممثلي الشعب الأميركي الانضمام إليه في ردّ مدروس صارم تجاه الجرائم التي يرتكبها بشار الأسد بحق شعبه.ولكن لِمَ تُعتبر هذه مسؤولية الولايات المتحدة كلها؟ يُظهر الواقع المرير أن الولايات المتحدة البلد الوحيد في العالم القادر على الرد على استخدام الأسد المشين الأسلحة الكيماوية بطريقة تردعه عن تكرار ذلك.لا شك أن وقوف الأصدقاء والحلفاء إلى جانبنا خطوة جيدة، ولكن من وجهة النظر العسكرية، لا يُعتبر هذا ضرورياً، فإن سارت الولايات المتحدة، فسيتبعها آخرون، أو على الأقل سيقدمون لها الدعم، ولكن إن لم نتحرك، فلن تحرك الدول الأخرى ساكناً.إن لم تكن تملك القدرة على القيام بأمر ما، فمن المنافي للمنطق أن تقول إن ذلك من مسؤوليتك، لكن هذا لا يعني أنك إن كنت تملك القدرة على فعل أمر ما، فهذا يحملك مسؤولية القيام به، لكنه يعني أنك لا تستطيع تفادي السؤال. تُعتبر الولايات المتحدة، في السراء والضراء (في السراء عموماً، حسبما أعتقد)، ضامن النظام العالمي، الذي تولّينا قيادته لأننا أسسناه. وعندما نضطلع بهذا الدور، نقدّم سلعاً عامةً عالميةً، وأشكالاً من الاستقرار والأمن، مثل حرية البحار، التي تستفيد منها أمم أخرى، لا أمتنا فحسب.لا شك أن الاستقرار والأمن اللذين يزودهما هذا البلد يسمحان لأمم أخرى باستغلالنا، مستفيدةً مما نقدمه من دون أن تساهم فيه مطلقاً. ومن الطبيعي أن يكره الشعب الأميركي هذا الواقع؛ لذلك عندما يعود أي تدخل أجنبي عليهم بنتائج عكسية، يرغبون في تقليص دور أمتهم العالمي.لكن الأميركيين يستفيدون، ربما أكثر من أي دولة أخرى، من الدور القيادي الذي تؤديه أمتهم في العالم، فتشمل مهمة القادة الأميركيين تذكير الشعب أننا سنخسر الكثير إذا ظنّ الآخرون أننا ما عدنا مستعدين لحمل أعباء القيادة.لكن هذه الحقائق العامة لا تحل المسألة المحددة التي يواجهها بلدنا اليوم، تبدو بعض الأمور جلية، هدف الرئيس في سورية الردع، لا تغيير النظام، ويعني ذلك أننا لا نستطيع إنزال الجنود على الأرض، كذلك من الضروري أن تحد الخطوات التي سنتخذها من احتمال سقوط أي أميركي بين يدي الأسد.إلا أن العمل الرمزي البحت يُعتبر بالغ السوء، وعلى الرئيس أوباما والكونغرس أن يدرسا احتمال أن يتطلب الردع الفاعل استهداف عدد كبير من أصول النظام (مثل قواته الجوية)، لا تلك المعنية باعتداء الغازات السامة فحسب.أخضع أوباما النظام السياسي لامتحان بطلبه تفويضاً باستخدام القوة العسكرية، فهل فَقَدَ الكونغرس القدرة على التعامل مع القضايا الجدية بجدية؟ وهل ينجح الرئيس في إقناع شعب متردد بالسير وراءه؟ لن يتمكن من ذلك، إلا إذا عرض حججه بثقة تامة من دون أي تردد أو تقلب.لا تتمحور المسألة السورية حول مصالحنا بالمعنى الضيق، فكما ذكر كيري، "ما نقوم به يعكس هويتنا. نحن الدولة التي حاولت، وإن لم تنجح دوماً، إلا أنها حاولت الالتزام بمجموعة من القيم العالمية التي بنينا حولها حياتنا وطموحاتنا، ولا شك أن هذه الجريمة ضد الضمير، هذه الجريمة ضد الإنسانية، هذه الجريمة ضد أهم مبادئ المجتمع الدولي، ضد أعراف المجتمع الدولي مهمة بالنسبة إلينا ومهمة بالنسبة إلى مَن نكون. ومن المؤكد أنها مهمة للقيادة ومصداقيتنا في العالم".على أوباما أن ينقل هذه الفكرة إلى الشعب الأميركي أيضاً من المكتب الرئاسي في البيت الأبيض، ويجب أن يكون مستعداً لبذل قصارى جهده كي يفوز بما يتحول إلى معركة قاسية في الكونغرس، فلا نعرف إلامَ ستؤول هذه المعركة، لكننا واثقون من أن خسارته فيها ستقوض رئاسته وأكثر من ذلك بكثير.William A. Galston وليام إيه غالستون