منذ أكثر من شهر وأنا أتابع الاستعدادات لقدوم شهر رمضان المبارك عبر وسائل التواصل الاجتماعي: الفيسبوك، التويتر، الانستغرام، وإذا ما أخذ في الحسبان أن شهر رمضان هو شهر القرآن، وشهر عبادة وتعبد، وصيام وقيام، ووصل بالفقراء ومشاركتهم مشاعرهم، وأخيراً شهر صلاة التراويح وملازمة المساجد، فإن ما نقلته وسائط التواصل الاجتماعي لا يمت لهذا بصلة!

Ad

جمعٌ كبير يروج لبضاعته بعيداً عن روح رمضان! يرتقي على ظهر رمضان كي يحصد الربح المادي ولا شيء غير ذلك! تحول رمضان من شهر عبادة، لشهر فرصة، والشاطر من ينال نصيبه منها!

يستوقفني النشاز في أن رمضان شهر صوم، وأن الأسر العربية على طول وعرض الوطن العربي من المحيط إلى الخليج، تصرف على مأكلها أضعاف ما تصرف في باقي شهور السنة. كيف يستقيم الصوم مع عربدة الأكل والشرب؟ وكيف تستقيم العبادة والانشغال في المتع!

أفهم استعداد الجمعيات التعاونية التجارية، والأسواق المركزية، والمحال التجارية لاستقبال شهر رمضان بمزيد من عرض البضائع ومهرجانات التسوق، لكن أن تتحول البضاعة: مأكل ومشرب وملبس وسهر، لتكون موضوعاً يستحوذ على اهتمام جمع كبير من مرتادي شبكات التواصل الاجتماعي، وتصبح صور الملابس الشعبية "الدراعات"، وصور الأكلات الرمضانية، وصور الاحتفال بمناسبة منتصف رمضان "القرقيعان" الأكثر انتشاراً بين أصحاب حسابات الانستغرام. وتنتشر وصفات طبخات رمضان بين أصدقاء الفيسبوك، وتغدو السهرات الرمضانية حديث بعض التغريدات، فذاك لا علاقة له إطلاقاً بشهر الصوم!

أذكر كيف كنا نستقبل رمضان، يوم كان شيءٌ كالرائحة الطيبة ينتشر في الجو ويزور كل بيت وزاوية. شيءٌ محمول على روحانية عذبة. شيءٌ يمس الروح ويدغدغ فيها رجوعها لبارئها. كانت الناس تستعد لملاقاة رمضان كشهر عبادة، وكشهر وصل بالفقراء، وشهر تعبد، وجميع ذلك كان يأتي بعيداً عن أي تظاهر أو تكسب أو تسليع!

رمضان شهر غريب، غريبٌ لأنه يحمل روحاً خاصة، وثقافة خاصة، وممارسة خاصة، ومتى ما شوهت الروح، وانحرفت الثقافة عن مسارها، وتحولت الممارسة عن طريقها الصحيح، لا يعود شهر رمضان يحمل من عالمه إلا الاسم ولا شيء غير الاسم!

شهر رمضان هو شهر الصوم، والأبحاث العلمية تؤكد حاجة الجسم لشهر في السنة يتخلص فيه من جميع السموم الذي تسكنه، ووسيلته لذلك هي الصوم لا الأكل إلى حد التخمة!

شهر رمضان هو شهر العبادة الخالصة، بما يُعيد لروح المسلم شيئاً مما فقدته طوال سنة مرت عليها. لكن أن تتخذ العبادة طابع الجري وراء صوت المقرئ الجميل، والذهاب إلى المسجد الفلاني لأنه محسوب على الطائفة الفلانية، والصلاة في المسجد من باب أن يراني الآخر. فهذه الخصال بعيدة عن العبادة الخالصة!

رمضان شهر غريب، شهر الفقراء، وحين يتحول ليكون شهر بذخ الموائد والخيم الرمضانية، وشهر الإسراف في مظاهر اللبس واحتفالات الأطفال، والتباهي بالموائد الأسرية العامرة، فهذا لا علاقة له برمضان ولا علاقة له بالغريب الدرويش!

لوّنت الحداثة الاستهلاكية شهر رمضان بألوانها الصارخة، فلطخت وجهه الطيب! احتفل أصدقاء شبكات التواصل الاجتماعي بقدوم شهر رمضان، فمالوا به عن مقصده!

رمضان شهر الله، وعلى العباد أن يعظّموا الخالق فيه بحسن عبادته. رمضان شهر يتيم يمسّ يتمه قلوب المسلمين بمروره العابر، فينيرها بالهدوء والسكينة. رمضان شهر الفقراء، وعلى المسلم أن يشعر بوجع وحسرة أخيه الفقير! رمضان شهر مائدة الفطور بتمرة وشربة لبن! رمضان شهر القرآن، وليس شهر المسلسلات الرمضانية والمواقف الرخيصة!

بحثت خلال الفترة الماضية عن شهر رمضان الذي في خاطري، فلم أعثر فيما حولي على شيء منه!